الجمعة، 22 أبريل 2022

عندما يرحل الملاك

يوسف أحمد الحسن

عندما يجتمع الهدوء بالسكينة، والإيمان بحلو الكلام، والتواضع بحسن الظن فلا أصدق من كون ذلك يمثل عندي عمتي (زهرة بنت ناصر أم موفق) والتي رحلت عن عالمنا (قبل عام) في هدوء كما عاشت في هدوء تام، مصرة على ألا تعذب معها أحدا في صراعها مع الألم والمرض حيث لم تزد الفترة الزمنية لمعرفة إصابتها بالمرض الخبيث على أسبوع قبل أن ترحل.

فهل لتوقيت رحيلك أي دلالة يا عمتي الغالية؟ هل هو الشوق لأخواتك الثلاث اللاتي سبقنك إلى هناك؟ أم إن هناك من استدعاك للتعجيل بالرحيل؟ هل استعجلت الرحيل لأن الوضع هنا لم يعد يحتمل، أم إن رمضان هناك أجمل؟

عمتي الغالية التي فقدتها في شهر الله المبارك وهي التي عندما يجلس معها أقاربها فإنهم لا يكادون يسمعون صوتها من شدة انخفاضه. تراقب كل ما يحصل بين أحفادها وأولاد أحفادها من دون أن تتدخل إلا بمقدار ابتسامة خفيفة أو ضحكة ناعمة أرق من نسمة هواء في فصل الربيع.

ليست من النوع الذي يحشر أنفه في كل شاردة وواردة، بل تجدها تتسامى على المشكلات، متجاوزة إياها إما بتنهيدة من أعماق قلبها الأبيض أو بدعاء تشعر من نبرات صوتها بأنه مستجاب.

كما أنها ليست من النوع الذي يكثر العتاب.. فحين يزورها القريب ترحب به أشد ترحيب متفضلة عليه بجميع ما يتوفر في البيت وزيادة مع فائض من التحية وال ابتهاج. أما عندما يغيب فتكتفي بالسؤال عنه وإيصال التحية له دون عتاب إلا بالمقدار غير المؤذي.

تستعد للفرائض اليومية قبل الوقت بمدة كافية حتى في أيام مرضها. وحين تجلس على سجادتها أو الكرسي المخصص لصلاتها فلا تتوقع منها أن تقوم في دقائق معدودة كما قد يفعل البعض. أعطها ساعة أو اثنتين في الأيام العادية وأكثر من ذلك في المناسبات الدينية. وفي كل مرة أرغب في الاتصال بها يجب أن أعطي الوقت الكافي قبل وبعد موعد الفريضة.

لم تمر أيام على فراقها حتى بدأ الشوق إليها يهزني من الداخل، ويدب في عروقي لرؤيتها، للجلوس بجانبها، للاستماع إلى حديثها الناعم.. للتو أعرف أن الشوق قد يقتل، وللتو أكتشف بأنني كنت موفقا بالاقتراب منها، ولا أستطيع استيعاب أنني لست بسامع صوتها بعد الآن، رغم أن قلبي كان دائما معها بكل إيمان ووفاء.

أفتقد تلك النظرات الجميلة عندما ترمقني، كما أفتقد حنوها على أحفادها واهتمامها الكبير بهم. لن يتحملوا فراقها. سيدخلون مساء كل جمعة إلى غرفتها أملا في أن يتقافزوا على أكتافها المتعبة أو أن يتعلقوا بلباس صلاتها. لكنهم لن يجدوها ولن يجدوا عنها بديلا.. ستفتقدها الغرفة والمصلى والكرسي المتحرك والمسبحة القديمة. لا يمكن اعتبار مرضها إلا ابتلاء لتمحيصها والتخفيف عنها قبل رحيلها إلى دار نعيمها دائم ندعوه تعالى أن تكون قد عصمت بذلك من النار وفازت بالجنة مع مريم ابنت عمران وفاطمة بنت محمد.

ربما تكون الدموع بديلا عن قبلاتها، وربما يحل الدعاء لها محل سماع صوتها، وربما يكون لأمل اللقاء بها هناك بعض السلوى.. ربما وربما وربما.. لكن الأكيد الوحيد في القصة أنها رحلت عن هذا العالم إلى عالم أفضل منتظرة ذهابنا إليها واحدا تلو الآخر حيث يجتمع الأحبة. 

الأحد، 10 أبريل 2022

تأملات مصاب بكورونا


 

يوسف أحمد الحسن

 رغم أنني أصبت بكورونا بعد أن استنفذ هذا الفيروس قدرته وفقد قوته في الفتك (حتى الآن طبعا)، وبذلك ينطبق علي المثل القائل (رايح للحج والناس راجعة)، إلا أنه يحق لي أن أحج متى شئت بالمعنى اللغوي للحج، خاصة أنني بالفعل عانيت ليومين من آلام قوية في أنحاء جسمي لم تنفع معها المسكنات. وعندما كنت أتناول بعض المسكنات القوية كان أثرها لا يظهر بسرعة بل كان يحتاج إلى أضعاف المدة الاعتيادية وقت الإصابة بالإنفلونزا مثلا. ومما زاد في معاناتي تزامن الإصابة مع حلول شهر رمضان حيث لم أرغب في الإفطار وأخذ دواء في فترة النهار.

 فمنذ إصابتي بكورونا في الرابع من ابريل وأنا أحجر نفسي بعيدا عن عائلتي الصغيرة. لكن هذا الحجر لم يكن بالمعنى الحرفي له، حيث لم أر ضرورة لحجر نفسي في غرفة مغلقة، بل اكتفيت بالجلوس في ركن قصي في إحدى زوايا صالة البيت. وهي صالة كبيرة بحيث يمكن أن يبعد عني أي مار حوالي عشرة أمتار. وحتى لو صحت تلك المعلومة التي تم تداولها في بدايات الجائحة أن بعض فيروسات كوفيد-19 قد تستطيع الانتقال عبر الهواء من مسافة ثمانية أمتار (وهو ما تبين لاحقا عدم صحته)، فإن هذا الفيروس سوف تنهار قواه قبل مترين من أقرب شخص في البيت. وهكذا فقد بقي أفراد العائلة بعيدون عني طوال أيام المرض، وهو ربما ما فعله نحو 750 ألف مصاب داخل المملكة، ونحو 500 مليون حول العالم.

وقد كنت محظوظا للغاية بهذه الإصابة حيث لم تتأثر لدي حاستي التذوق والشم وهو ما أسعدني كثيرا خاصة أننا في أيام الشهر الكريم والطبخات اللذيذة لحبيبتي أم محمد. وقد علمت أن بعض المصابين استمرت معهم مشكلة التذوق والشم لمدة طويلة بعد شفائهم من كورونا.

ومن إيجابيات إصابتي أيضا أنني استثمرت أيام الحجر والعزلة في مزيد من القراءة والكتابة، حيث كتبت ثلاث مقالات وقرأت كتابين، إضافة إلى قراءة القرآن، ولولا الحياء لتمنيت أن تطول هذه الأيام لثلاثين يوما ربما استطعت خلالها إكمال كتابي الخاص بالقراءة والمكون من مائة مقال.

أما أكبر إيجابية في توقيت هذه الإصابة فهي أخذي لثلاث جرعات من كورونا من نوع فايزر وهو ما يقول عنه الأطباء بأنه يخفف من أعراض المرض، وهو ما لم يكن متيسرا لملايين بل مئات الملايين من الناس في بعض أنحاء العالم. وأراها مناسبة لأتقدم بالشكر والتحية لوزارة الصحة التي بذلت قصارى جهدها في ذلك متجاوزة حتى جهود بعض الدول المتقدمة والمتطورة في المجال الطبي. وكان أكثر ما أسعدني هو سماعي للإعلان عن عدم وجود أي وفيات في المملكة لأول مرة منذ بداية الجائحة وذلك في اليوم الثاني لإصابتي بالفيروس. أدعو الله تعالى أن يبعد الجائحة عنا وعن جميع شعوب العالم.

الاثنين، 4 أبريل 2022

أنا مصاب بكورونا

يوسف أحمد الحسن 

بعد مقاومة لأكثر من عامين، والتزام بكامل بالاحترازات الصحية ومنها أخذ الجرعات الثلاث، وبعد قيامي بتقديم النصائح الوقائية لعشرات ممن أقابلهم وبعد هذا الصمود الأسطوري في مواجهة أقوى فيروس أرعب العالم تبين اليوم أنني مصاب بفيروس كوفيد-19 المستجد. وهكذا أصبحت اليوم (الرابع من ابريل 2022) المصاب رقم 750 ألف في المملكة، ورقم 500 مليون في العالم.

ولطالما كنت مورد تعليقات بعضها لاذع والبعض الآخر عادي بسبب مبالغتي في الاحترازات وارتدائي المستمر للكمامة. وكم أتذكر مرات ومرات كنت الوحيد ممن يرتديها في مجلس عامر بالحضور وذلك في مختلف المناسبات رغم قلة حضوري لها منذ بداية الجائحة وحتى وقت قريب أي حتى بعد تخفيف الإجراءات. أما المصافحة فكنت على الدوام أحاول تجنبه إلا في حال قام الطرف الآخر بمد يده حينها كنت أصافح بقبضة اليد. كما أنني ومنذ بداية الجائحة ورغم عدم انقطاعي عن زيارة والدتي حفظها الله، فإنني لم أصافحها منذ بداية الجائحة وحتى اليوم، كما توقفت عن تقبيل رأسها لحوالي عامين خوفا عليها، ولا أزال حتى الآن ألبس الكمامة في كل زيارة لها.

ولأنني مصاب وقد عزلت نفسي عن الآخرين فأجدها فرصة لأن أسترسل قليلا في الكتابة وأقول بأنني أول من كتب مقالا في المملكة عن الحاجة لاستخدام تطبيق يرصد المصابين بكورونا وأماكن تواجدهم، وذلك في صحيفة حسا نيوز في التاسع عشر من مارس 2020 تحت عنوان (الجوال في مواجهة كورونا). وقد دللت على ذلك بأول تطبيق تم استخدامه في العالم لهذا الغرض وهو (close contact) الذي تم اعتماده في الصين، وتطبيقات مشابهة في كوريا الجنوبية مثل Map corona. وكما هو واضح من تاريخ المقال فإنه قد تم نشره قبل عدة شهور من إطلاق تطبيق توكلنا في المملكة، والذي أثبت فاعلية في التصدي لكورونا والحد من انتشاره.

وبهذه المناسبة فإنه لا يفوتني أن أشيد بالجهود التي بذلتها وتبذلها وزارة الصحة في المملكة لمكافحة هذه الجائحة والنجاحات التي حققتها، لتضعنا في أعلى قائمة الدول التي نجحت في ذلك حتى في مقابل الدول العظمى والمتطورة.

وفي الختام أشكر جميع من تعاطف (وسلفا كل من سيتعاطف) معي بهذه الإصابة، وأبشر الجميع بأن أعراضها بسيطة ولم تزد عن آلام في الجسم وسعال وعطاس. ولا أجمل من تعليق صديقي محمد المرزوق الذي عبر عن إصابتي بالمثل القائل (رايح للحج والناس راجعة)!


تويتر https://twitter.com/yousefalhasan