الخميس، 16 يونيو 2022

بعض من بوح إصدار جديد ليوسف الحسن

 

بعض من بوح

إصدار جديد ليوسف الحسن


 

صدر مؤخرا عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع كتاب (بعض من بوح) للكاتب يوسف أحمدالحسن. والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي تتنوع ما بين ثقافية وفكرية واجتماعية مع بعض الخواطر والذكريات التي مرت بالكاتب خلال فترة زمنية معينة.

ومن العناوين التي تضمنها الكتاب (فورمولا بدون فرامل)، (التباهي بالتوفير)، (رياضة في التسعين)، (الجوال في مواجهة كورونا)، (عندما يرحل الملاك)، (كيف يفطر الملياردير)، (عن الحب والجنون على ورق)، (أنا مصاب بكورونا)، (عن العيون وسحرها)، (التسويف سارق الأحلام)، (هل للإبداع عمر)، (ورحل الأديب الغزال)، (من غرائب كرة القدم)، (تاريخ المسحوقين).

وقد نشرت بعض هذه المقالات في بعض المجلات والصحف الورقية والإلكترونية، كما أن عددا منها لم يسبق نشره في أي صحيفة.

يقع الكتاب في 170 صفحة من القطع الكبير ويتوفر في عدد من المكتبات في مختلف مدن المملكة.

الجمعة، 22 أبريل 2022

عندما يرحل الملاك

يوسف أحمد الحسن

عندما يجتمع الهدوء بالسكينة، والإيمان بحلو الكلام، والتواضع بحسن الظن فلا أصدق من كون ذلك يمثل عندي عمتي (زهرة بنت ناصر أم موفق) والتي رحلت عن عالمنا (قبل عام) في هدوء كما عاشت في هدوء تام، مصرة على ألا تعذب معها أحدا في صراعها مع الألم والمرض حيث لم تزد الفترة الزمنية لمعرفة إصابتها بالمرض الخبيث على أسبوع قبل أن ترحل.

فهل لتوقيت رحيلك أي دلالة يا عمتي الغالية؟ هل هو الشوق لأخواتك الثلاث اللاتي سبقنك إلى هناك؟ أم إن هناك من استدعاك للتعجيل بالرحيل؟ هل استعجلت الرحيل لأن الوضع هنا لم يعد يحتمل، أم إن رمضان هناك أجمل؟

عمتي الغالية التي فقدتها في شهر الله المبارك وهي التي عندما يجلس معها أقاربها فإنهم لا يكادون يسمعون صوتها من شدة انخفاضه. تراقب كل ما يحصل بين أحفادها وأولاد أحفادها من دون أن تتدخل إلا بمقدار ابتسامة خفيفة أو ضحكة ناعمة أرق من نسمة هواء في فصل الربيع.

ليست من النوع الذي يحشر أنفه في كل شاردة وواردة، بل تجدها تتسامى على المشكلات، متجاوزة إياها إما بتنهيدة من أعماق قلبها الأبيض أو بدعاء تشعر من نبرات صوتها بأنه مستجاب.

كما أنها ليست من النوع الذي يكثر العتاب.. فحين يزورها القريب ترحب به أشد ترحيب متفضلة عليه بجميع ما يتوفر في البيت وزيادة مع فائض من التحية وال ابتهاج. أما عندما يغيب فتكتفي بالسؤال عنه وإيصال التحية له دون عتاب إلا بالمقدار غير المؤذي.

تستعد للفرائض اليومية قبل الوقت بمدة كافية حتى في أيام مرضها. وحين تجلس على سجادتها أو الكرسي المخصص لصلاتها فلا تتوقع منها أن تقوم في دقائق معدودة كما قد يفعل البعض. أعطها ساعة أو اثنتين في الأيام العادية وأكثر من ذلك في المناسبات الدينية. وفي كل مرة أرغب في الاتصال بها يجب أن أعطي الوقت الكافي قبل وبعد موعد الفريضة.

لم تمر أيام على فراقها حتى بدأ الشوق إليها يهزني من الداخل، ويدب في عروقي لرؤيتها، للجلوس بجانبها، للاستماع إلى حديثها الناعم.. للتو أعرف أن الشوق قد يقتل، وللتو أكتشف بأنني كنت موفقا بالاقتراب منها، ولا أستطيع استيعاب أنني لست بسامع صوتها بعد الآن، رغم أن قلبي كان دائما معها بكل إيمان ووفاء.

أفتقد تلك النظرات الجميلة عندما ترمقني، كما أفتقد حنوها على أحفادها واهتمامها الكبير بهم. لن يتحملوا فراقها. سيدخلون مساء كل جمعة إلى غرفتها أملا في أن يتقافزوا على أكتافها المتعبة أو أن يتعلقوا بلباس صلاتها. لكنهم لن يجدوها ولن يجدوا عنها بديلا.. ستفتقدها الغرفة والمصلى والكرسي المتحرك والمسبحة القديمة. لا يمكن اعتبار مرضها إلا ابتلاء لتمحيصها والتخفيف عنها قبل رحيلها إلى دار نعيمها دائم ندعوه تعالى أن تكون قد عصمت بذلك من النار وفازت بالجنة مع مريم ابنت عمران وفاطمة بنت محمد.

ربما تكون الدموع بديلا عن قبلاتها، وربما يحل الدعاء لها محل سماع صوتها، وربما يكون لأمل اللقاء بها هناك بعض السلوى.. ربما وربما وربما.. لكن الأكيد الوحيد في القصة أنها رحلت عن هذا العالم إلى عالم أفضل منتظرة ذهابنا إليها واحدا تلو الآخر حيث يجتمع الأحبة. 

الأحد، 10 أبريل 2022

تأملات مصاب بكورونا


 

يوسف أحمد الحسن

 رغم أنني أصبت بكورونا بعد أن استنفذ هذا الفيروس قدرته وفقد قوته في الفتك (حتى الآن طبعا)، وبذلك ينطبق علي المثل القائل (رايح للحج والناس راجعة)، إلا أنه يحق لي أن أحج متى شئت بالمعنى اللغوي للحج، خاصة أنني بالفعل عانيت ليومين من آلام قوية في أنحاء جسمي لم تنفع معها المسكنات. وعندما كنت أتناول بعض المسكنات القوية كان أثرها لا يظهر بسرعة بل كان يحتاج إلى أضعاف المدة الاعتيادية وقت الإصابة بالإنفلونزا مثلا. ومما زاد في معاناتي تزامن الإصابة مع حلول شهر رمضان حيث لم أرغب في الإفطار وأخذ دواء في فترة النهار.

 فمنذ إصابتي بكورونا في الرابع من ابريل وأنا أحجر نفسي بعيدا عن عائلتي الصغيرة. لكن هذا الحجر لم يكن بالمعنى الحرفي له، حيث لم أر ضرورة لحجر نفسي في غرفة مغلقة، بل اكتفيت بالجلوس في ركن قصي في إحدى زوايا صالة البيت. وهي صالة كبيرة بحيث يمكن أن يبعد عني أي مار حوالي عشرة أمتار. وحتى لو صحت تلك المعلومة التي تم تداولها في بدايات الجائحة أن بعض فيروسات كوفيد-19 قد تستطيع الانتقال عبر الهواء من مسافة ثمانية أمتار (وهو ما تبين لاحقا عدم صحته)، فإن هذا الفيروس سوف تنهار قواه قبل مترين من أقرب شخص في البيت. وهكذا فقد بقي أفراد العائلة بعيدون عني طوال أيام المرض، وهو ربما ما فعله نحو 750 ألف مصاب داخل المملكة، ونحو 500 مليون حول العالم.

وقد كنت محظوظا للغاية بهذه الإصابة حيث لم تتأثر لدي حاستي التذوق والشم وهو ما أسعدني كثيرا خاصة أننا في أيام الشهر الكريم والطبخات اللذيذة لحبيبتي أم محمد. وقد علمت أن بعض المصابين استمرت معهم مشكلة التذوق والشم لمدة طويلة بعد شفائهم من كورونا.

ومن إيجابيات إصابتي أيضا أنني استثمرت أيام الحجر والعزلة في مزيد من القراءة والكتابة، حيث كتبت ثلاث مقالات وقرأت كتابين، إضافة إلى قراءة القرآن، ولولا الحياء لتمنيت أن تطول هذه الأيام لثلاثين يوما ربما استطعت خلالها إكمال كتابي الخاص بالقراءة والمكون من مائة مقال.

أما أكبر إيجابية في توقيت هذه الإصابة فهي أخذي لثلاث جرعات من كورونا من نوع فايزر وهو ما يقول عنه الأطباء بأنه يخفف من أعراض المرض، وهو ما لم يكن متيسرا لملايين بل مئات الملايين من الناس في بعض أنحاء العالم. وأراها مناسبة لأتقدم بالشكر والتحية لوزارة الصحة التي بذلت قصارى جهدها في ذلك متجاوزة حتى جهود بعض الدول المتقدمة والمتطورة في المجال الطبي. وكان أكثر ما أسعدني هو سماعي للإعلان عن عدم وجود أي وفيات في المملكة لأول مرة منذ بداية الجائحة وذلك في اليوم الثاني لإصابتي بالفيروس. أدعو الله تعالى أن يبعد الجائحة عنا وعن جميع شعوب العالم.

الاثنين، 4 أبريل 2022

أنا مصاب بكورونا

يوسف أحمد الحسن 

بعد مقاومة لأكثر من عامين، والتزام بكامل بالاحترازات الصحية ومنها أخذ الجرعات الثلاث، وبعد قيامي بتقديم النصائح الوقائية لعشرات ممن أقابلهم وبعد هذا الصمود الأسطوري في مواجهة أقوى فيروس أرعب العالم تبين اليوم أنني مصاب بفيروس كوفيد-19 المستجد. وهكذا أصبحت اليوم (الرابع من ابريل 2022) المصاب رقم 750 ألف في المملكة، ورقم 500 مليون في العالم.

ولطالما كنت مورد تعليقات بعضها لاذع والبعض الآخر عادي بسبب مبالغتي في الاحترازات وارتدائي المستمر للكمامة. وكم أتذكر مرات ومرات كنت الوحيد ممن يرتديها في مجلس عامر بالحضور وذلك في مختلف المناسبات رغم قلة حضوري لها منذ بداية الجائحة وحتى وقت قريب أي حتى بعد تخفيف الإجراءات. أما المصافحة فكنت على الدوام أحاول تجنبه إلا في حال قام الطرف الآخر بمد يده حينها كنت أصافح بقبضة اليد. كما أنني ومنذ بداية الجائحة ورغم عدم انقطاعي عن زيارة والدتي حفظها الله، فإنني لم أصافحها منذ بداية الجائحة وحتى اليوم، كما توقفت عن تقبيل رأسها لحوالي عامين خوفا عليها، ولا أزال حتى الآن ألبس الكمامة في كل زيارة لها.

ولأنني مصاب وقد عزلت نفسي عن الآخرين فأجدها فرصة لأن أسترسل قليلا في الكتابة وأقول بأنني أول من كتب مقالا في المملكة عن الحاجة لاستخدام تطبيق يرصد المصابين بكورونا وأماكن تواجدهم، وذلك في صحيفة حسا نيوز في التاسع عشر من مارس 2020 تحت عنوان (الجوال في مواجهة كورونا). وقد دللت على ذلك بأول تطبيق تم استخدامه في العالم لهذا الغرض وهو (close contact) الذي تم اعتماده في الصين، وتطبيقات مشابهة في كوريا الجنوبية مثل Map corona. وكما هو واضح من تاريخ المقال فإنه قد تم نشره قبل عدة شهور من إطلاق تطبيق توكلنا في المملكة، والذي أثبت فاعلية في التصدي لكورونا والحد من انتشاره.

وبهذه المناسبة فإنه لا يفوتني أن أشيد بالجهود التي بذلتها وتبذلها وزارة الصحة في المملكة لمكافحة هذه الجائحة والنجاحات التي حققتها، لتضعنا في أعلى قائمة الدول التي نجحت في ذلك حتى في مقابل الدول العظمى والمتطورة.

وفي الختام أشكر جميع من تعاطف (وسلفا كل من سيتعاطف) معي بهذه الإصابة، وأبشر الجميع بأن أعراضها بسيطة ولم تزد عن آلام في الجسم وسعال وعطاس. ولا أجمل من تعليق صديقي محمد المرزوق الذي عبر عن إصابتي بالمثل القائل (رايح للحج والناس راجعة)!


تويتر https://twitter.com/yousefalhasan

الاثنين، 28 مارس 2022

استغلال المتطوعين

يوسف أحمد الحسن

جميل جدا حجم الإقبال على العمل التطوعي الذي نلحظه في بلادنا في الآونة الأخيرة، خاصة وأن ما يزيد في جماله تنوع أطياف وأعمار المتطوعين والمجالات التي يتم التطوع فيها. ويفتح هذا التنوع في التطوع أسئلة عديدة حول التطوع من أبرزها حماية المتطوعين من احتمال سوء استغلالهم من بعض الجهات إما جهلا ببعض القوانين أو استغلال جهل المتطوعين بها، ولذلك أصبح من الواجب على المتطوع واجب التعرف على حقوقه عندما يدخل مجال التطوع.

بداية دعنا نتفق على أن المتطوع هو (كل من يقدم عملا تطوعيا دون اشتراط مقابل مادي أو معنوي). لذا فإنه ليس للمتطوع أن يتوقع مقابلا ماديا أو معنويا نتيجة اشتراكه في أي عمل تطوعي. لكن هناك بعض الالتزامات المعروفة والمقرة عالميا ومحليا على الجهات المستفيدة من المتطوعين والتي تعتبر كحقوق للمتطوعين ويشكل الإخلال بها نوعا من الاستغلال السيء لهم. ومن هذه الأمور على سبيل المثال: أن من حق المتطوع التدرب على العمل التطوعي المتوقع، والحصول على الأجهزة والأدوات والملابس اللازمة لعمله التطوعي مجانا. كما أن من حقه الحصول على الإعاشة والمواصلات وحتى السكن إذا كان العمل التطوعي خارج مقر إقامته. كذلك فإن له الحق في العلاج في حال إصابته أثناء العمل التطوعي أو حتى أثناء التدرب على ذلك أو أثناء ذهابه أو عودته منه. وعند الإخلال بهذه البنود واستغلال المتطوعين، فإن لهم - بطبيعة الحال - الحق في تقديم شكاوى إلى الجهة المعتمدة وهي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. ولذلك فإن على الإعلام مسؤولية التوعية بهذا الأمر، لأن من شأن ذلك تحفيز المزيد من الناس على هذه الأعمال التي يحث عليها ديننا الحنيف وتعتبر مساهمة حقيقية في التنمية الوطنية.

 

عن المشي أتحدث

 يوسف أحمد الحسن

قبل أكثر من عقد من الزمان كنت إذا مشيت للرياضة قريبا من حارتنا يتوقف من سكانها عدد من يمر بي ليوصلني بسيارته ظانا بأن سيارتي عطلانة مثلا، لكن الوضع تغير هذه الأيام في بلادنا حيث انتشرت ثقافة المشي والرياضة بين مختلف فئات المجتمع ذكورا وإناثا. وعندما أكون خارج البيت في وقت متأخر لسبب أو لآخر فإنني أجد على مضامير المشي من يمشي وهو أمر إيجابي يدل على تنامي الوعي الصحي لدى فئات المجتمع.

فهذا النوع من الرياضة التي تعتبر أكثر الرياضات شعبية في العالم حسب موقع snowbrains.com الذي يضيف بأن الشخص الذي يمشي 7500 خطوة في اليوم وهو معدل عام ومعقول للمشي يكون مجموع ما قطعه من خطوات خمس مرات حول الكرة الأرضية بحسابها من خط الاستواء إذا ما امتد عمره إلى 80 عاما.

أما موقع https://www.myshortlister.com/insights/walking-statistics فيقول بأن معدل مشي الإنسان مرتبط بوظيفته حيث حدد بأن جرسون المطاعم يمشي ما معدله 23 الف خطوة في اليوم ، بينما تمشي الممرضات 16 الف خطوة، بينما يمشى عمال محلات التجزئة نحو 15 الف خطوة.

لكن من أغرب الدراسات التي قرأتها ( https://www.health.harvard.edu/ ) هي أن مشي 15 دقيقة في اليوم يقلل من الرغبة الشديدة في السكر والشوكولاتة خاصة في المواقف المجهدة، وأن للمشي أربع فوائد أخرى هي: مساهمته في التخفيض إلى النصف من تأثير الجينات على زيادة الوزن، والتقليل من خطر تطور سرطان الثدي، والتخفيف من ألم المفاضل بل قد يمنعها وذلك بتقوية العضلات المحيطة بالعظام، وأخيرا تقوية جهاز المناعة خاصة ضد أمراض البرد.

·                       إن لم تكن تستطيع الطيران فاجري وإن لم تكن تستطيع الجري فامشي وإن لم تكن تستطيع المشي فازحف .. أيا ما كنت فاعلاً عليك الاستمرار بالتحرك نحو الأمام. مارتن لوثر كينغ

·                       لقد اكتشفت أن الطريقة الوحيدة التي تجعلك نحيفاً هي المشي مع أشخاص سمينين.  رودني دانجرفيلد

·         كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي. فريدريك نيتشه

الأحد، 27 مارس 2022

مقدمة كتبت للطبعة الخامسة من كتاب حقوق الإنسان .. مدخل إلى وعي حقوقي للأستاذ أمير بوخمسين

يوسف أحمد الحسن

لا يكاد يوجد في دستور أي دولة مادة واحدة ضد أي بند من بنود حقوق الإنسان المشهورة، كما لا يوجد ذلك في مواد أي منظمة أو حركة سياسية أو دينية أو إنسانية. ولا نبالغ إذا ما قلنا إنه حتى بعض المنظمات المعروفة بعنصريتها وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان تقوم بالدفاع عن هذه الحقوق في أدبياتها المعلنة.

فالجميع نظريا يدافع عن بنود حقوق الإنسان، كما يدافع عمليا عن أي شخص أو جهة تتعرض للظلم في أي مكان من العالم ( لدى الأطراف الأخرى ) ، وقد يستنكر ويدين ويشجب ذلك بأشد العبارات ، ثم يقيم اجتماعات ومظاهرات ويعقد مؤتمرات مناصرة للمظلوم داعيا للالتزام بحقوق الإنسان والتمسك بمواثيقه ومعاهداته. بل إن دولا قامت بشن حروب من أجل نصرة حقوق الإنسان في دول أخرى وهو ما تسبب في إزهاق أرواح مئات بل آلاف ومئات الآلاف من الأرواح أكثرها من المدنيين الأبرياء كل ذلك لنصرة حقوق الإنسان .

لكن الحقيقة تظهر عند تطبيق بنود اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان من طرف هذه الدول والجهات على شعوبها أو من يخضعون لها ، حينها تظهر مفردات وتطفو أولويات أخرى على السطح لتبرير الابتعاد عن ذلك ، حيث تصبح حقوق الإنسان واجبة لكن على الآخرين فقط !

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتضمن من البنود والمواد ما يغطي جميع الجوانب الإنسانية ويكفي البشرية جمعاء لكي يسود العدل والمساواة ولكي يحصل الجميع على حقوقه دون نقصان. لكن المشكلات تحصل عندما يحاول شخص أو مجموعة ما أن تتحصل على حقوقها فتواجه بالصد أو الرفض وبالسجن أو القتل وذلك لأسباب متعددة منها تضارب المصالح أو تزاحمها أو محاولة الاستئثار بجزء أكبر من الكعكة من قبل فئة أو فئات متنفذة في بقعة جغرافية معينة يهدد مبدأ حقوق الإنسان مصالحها أو يقلص منها، حينها تظهر حقيقة التمسك بمبادئ وبنود حقوق الإنسان.

ورغم أن الاهتمام بحقوق الإنسان قديم قدم البشرية ذاتها منذ بدأ الناس يعيشون حياة مشتركة ، لكن أول ظهور لمصطلح حقوق الإنسان كان في العام 1776م عندما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها من بريطانيا، وبعدها تم طرح قانون لحقوق الإنسان في فرنسا بعد انتصار الثورة الفرنسية في العام 1789م . وفي العام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتضمن ثلاثون بندا شملت جميع جوانب هذ الحقوق، حيث كانت المرة الأولى التي تتفق فيها دول العالم على حق الإنسان في الكرامة والحرية والمساواة بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو غير ذلك من الفوارق بين أبناء البشر .

أما في العالم الإسلامي فقد تأخر كثيرا طرح المفهوم والمفردة في الأدبيات العربية والإسلامية، كما لم يواكب الفقه الإسلامي مسيرة حقوق الإنسان حيث لم يتم إعطاؤه بابا مستقلا وهو ما كان سيزيد من الاهتمام الشعبي بهذا الموضوع الحساس فيما لو تم. وجاء أول طرح لهذا المفهوم والمفردة والاعتراف بها في العام 1981 عبر منظمة المؤتمر الإسلامي بعد اجتماعات متعددة رغم وجود كثير من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل أو بآخر في القوانين والتشريعات الإسلامية وفي دساتير عدد من الدول العربية والإسلامية قبل ذلك.

قبلها لم تأخذ هذه البنود حقها في الانتشار لعدة أسباب منها طغيان الاهتمام بأمور أخرى على هذه الأمور مثل الأمور الفقهية التعبدية والعقائدية ، وعدم الاهتمام بتدوين ونشر التشريعات الإسلامية التي تكفل حقوق الإنسان مقابل الاهتمام بذلك في المجتمعات الغربية في العقود والقرون السابقة .

ورغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس ملزما للدول من الناحية القانونية، لكن ما يبهج الصدر في السنوات الأخيرة هو تنامي الاهتمام بهذه القضية بحيث أصبحت موضوعا ساخنا في مختلف وسائل الإعلام وفي منصات التواصل الاجتماعي ، بل إنها أصبحت بندا هاما من بنود عدد من الأحزاب السياسية في بعض دول العالم خاصة الأوربية منها .

ويعتبر هذا الكتاب وعيا مبكرا من الكاتب الأستاذ أمير بوخمسين بأهمية هذا الموضوع حيث أنهى كتابة الكتاب في العام 1995 قبل أن  يتبناه مركز دراسات الوحدة العربية ثم يقوم بطباعته وتوزيعه في أنحاء العالم، في ذلك الوقت الذي كان الاهتمام بهذا الموضوع في العالم العربي محدودا في دوائر سياسية أو اجتماعية ضيقة للغاية. وما تعدد طبعات هذا الكتاب إلا دليل على الأهمية التي أضحت تشكلها هذه القضية للرأي العام العربي في هذا الزمن الذي لا يستطيع أي شيء في العالم أن يحجب انتشار الأخبار السلبية منها والإيجابية.