يوسف أحمد الحسن
لا
يكاد يوجد في دستور أي دولة مادة واحدة ضد أي بند من بنود حقوق الإنسان المشهورة،
كما لا يوجد ذلك في مواد أي منظمة أو حركة سياسية أو دينية أو إنسانية. ولا نبالغ
إذا ما قلنا إنه حتى بعض المنظمات المعروفة بعنصريتها وانتهاكاتها الصارخة لحقوق
الإنسان تقوم بالدفاع عن هذه الحقوق في أدبياتها المعلنة.
فالجميع
نظريا يدافع عن بنود حقوق الإنسان، كما يدافع عمليا عن أي شخص أو جهة تتعرض للظلم
في أي مكان من العالم ( لدى الأطراف الأخرى ) ، وقد يستنكر ويدين ويشجب ذلك بأشد
العبارات ، ثم يقيم اجتماعات ومظاهرات ويعقد مؤتمرات مناصرة للمظلوم داعيا
للالتزام بحقوق الإنسان والتمسك بمواثيقه ومعاهداته. بل إن دولا قامت بشن حروب من
أجل نصرة حقوق الإنسان في دول أخرى وهو ما تسبب في إزهاق أرواح مئات بل آلاف ومئات
الآلاف من الأرواح أكثرها من المدنيين الأبرياء كل ذلك لنصرة حقوق الإنسان .
لكن
الحقيقة تظهر عند تطبيق بنود اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان من طرف هذه الدول
والجهات على شعوبها أو من يخضعون لها ، حينها تظهر مفردات وتطفو أولويات أخرى على
السطح لتبرير الابتعاد عن ذلك ، حيث تصبح حقوق الإنسان واجبة لكن على الآخرين فقط
!
إن
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتضمن من البنود والمواد ما يغطي جميع الجوانب
الإنسانية ويكفي البشرية جمعاء لكي يسود العدل والمساواة ولكي يحصل الجميع على
حقوقه دون نقصان. لكن المشكلات تحصل عندما يحاول شخص أو مجموعة ما أن تتحصل على
حقوقها فتواجه بالصد أو الرفض وبالسجن أو القتل وذلك لأسباب متعددة منها تضارب
المصالح أو تزاحمها أو محاولة الاستئثار بجزء أكبر من الكعكة من قبل فئة أو فئات
متنفذة في بقعة جغرافية معينة يهدد مبدأ حقوق الإنسان مصالحها أو يقلص منها، حينها
تظهر حقيقة التمسك بمبادئ وبنود حقوق الإنسان.
ورغم أن الاهتمام بحقوق الإنسان قديم قدم
البشرية ذاتها منذ بدأ الناس يعيشون حياة مشتركة ، لكن أول ظهور لمصطلح حقوق
الإنسان كان في العام 1776م عندما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها
من بريطانيا، وبعدها تم طرح قانون لحقوق الإنسان في فرنسا بعد انتصار الثورة
الفرنسية في العام 1789م . وفي العام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي
يتضمن ثلاثون بندا شملت جميع جوانب هذ الحقوق، حيث كانت المرة الأولى التي تتفق
فيها دول العالم على حق الإنسان في الكرامة والحرية والمساواة بغض النظر عن العرق
أو الجنس أو اللون أو الدين أو غير ذلك من الفوارق بين أبناء البشر .
أما في
العالم الإسلامي فقد تأخر كثيرا طرح المفهوم والمفردة في الأدبيات العربية
والإسلامية، كما لم يواكب الفقه الإسلامي مسيرة حقوق الإنسان حيث لم يتم إعطاؤه
بابا مستقلا وهو ما كان سيزيد من الاهتمام الشعبي بهذا الموضوع الحساس فيما لو تم.
وجاء أول طرح لهذا المفهوم والمفردة والاعتراف بها في العام 1981 عبر منظمة
المؤتمر الإسلامي بعد اجتماعات متعددة رغم وجود كثير من بنود الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان بشكل أو بآخر في القوانين والتشريعات الإسلامية وفي دساتير عدد من
الدول العربية والإسلامية قبل ذلك.
قبلها
لم تأخذ هذه البنود حقها في الانتشار لعدة أسباب منها طغيان الاهتمام بأمور أخرى
على هذه الأمور مثل الأمور الفقهية التعبدية والعقائدية ، وعدم الاهتمام بتدوين
ونشر التشريعات الإسلامية التي تكفل حقوق الإنسان مقابل الاهتمام بذلك في
المجتمعات الغربية في العقود والقرون السابقة .
ورغم
أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس ملزما للدول من الناحية القانونية، لكن ما
يبهج الصدر في السنوات الأخيرة هو تنامي الاهتمام بهذه القضية بحيث أصبحت موضوعا
ساخنا في مختلف وسائل الإعلام وفي منصات التواصل الاجتماعي ، بل إنها أصبحت بندا
هاما من بنود عدد من الأحزاب السياسية في بعض دول العالم خاصة الأوربية منها .
ويعتبر
هذا الكتاب وعيا مبكرا من الكاتب الأستاذ أمير بوخمسين بأهمية هذا الموضوع حيث
أنهى كتابة الكتاب في العام 1995 قبل أن
يتبناه مركز دراسات الوحدة العربية ثم يقوم بطباعته وتوزيعه في أنحاء
العالم، في ذلك الوقت الذي كان الاهتمام بهذا الموضوع في العالم العربي محدودا في
دوائر سياسية أو اجتماعية ضيقة للغاية. وما تعدد طبعات هذا الكتاب إلا دليل على
الأهمية التي أضحت تشكلها هذه القضية للرأي العام العربي في هذا الزمن الذي لا
يستطيع أي شيء في العالم أن يحجب انتشار الأخبار السلبية منها والإيجابية.