الاثنين، 28 مارس 2022

استغلال المتطوعين

يوسف أحمد الحسن

جميل جدا حجم الإقبال على العمل التطوعي الذي نلحظه في بلادنا في الآونة الأخيرة، خاصة وأن ما يزيد في جماله تنوع أطياف وأعمار المتطوعين والمجالات التي يتم التطوع فيها. ويفتح هذا التنوع في التطوع أسئلة عديدة حول التطوع من أبرزها حماية المتطوعين من احتمال سوء استغلالهم من بعض الجهات إما جهلا ببعض القوانين أو استغلال جهل المتطوعين بها، ولذلك أصبح من الواجب على المتطوع واجب التعرف على حقوقه عندما يدخل مجال التطوع.

بداية دعنا نتفق على أن المتطوع هو (كل من يقدم عملا تطوعيا دون اشتراط مقابل مادي أو معنوي). لذا فإنه ليس للمتطوع أن يتوقع مقابلا ماديا أو معنويا نتيجة اشتراكه في أي عمل تطوعي. لكن هناك بعض الالتزامات المعروفة والمقرة عالميا ومحليا على الجهات المستفيدة من المتطوعين والتي تعتبر كحقوق للمتطوعين ويشكل الإخلال بها نوعا من الاستغلال السيء لهم. ومن هذه الأمور على سبيل المثال: أن من حق المتطوع التدرب على العمل التطوعي المتوقع، والحصول على الأجهزة والأدوات والملابس اللازمة لعمله التطوعي مجانا. كما أن من حقه الحصول على الإعاشة والمواصلات وحتى السكن إذا كان العمل التطوعي خارج مقر إقامته. كذلك فإن له الحق في العلاج في حال إصابته أثناء العمل التطوعي أو حتى أثناء التدرب على ذلك أو أثناء ذهابه أو عودته منه. وعند الإخلال بهذه البنود واستغلال المتطوعين، فإن لهم - بطبيعة الحال - الحق في تقديم شكاوى إلى الجهة المعتمدة وهي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. ولذلك فإن على الإعلام مسؤولية التوعية بهذا الأمر، لأن من شأن ذلك تحفيز المزيد من الناس على هذه الأعمال التي يحث عليها ديننا الحنيف وتعتبر مساهمة حقيقية في التنمية الوطنية.

 

عن المشي أتحدث

 يوسف أحمد الحسن

قبل أكثر من عقد من الزمان كنت إذا مشيت للرياضة قريبا من حارتنا يتوقف من سكانها عدد من يمر بي ليوصلني بسيارته ظانا بأن سيارتي عطلانة مثلا، لكن الوضع تغير هذه الأيام في بلادنا حيث انتشرت ثقافة المشي والرياضة بين مختلف فئات المجتمع ذكورا وإناثا. وعندما أكون خارج البيت في وقت متأخر لسبب أو لآخر فإنني أجد على مضامير المشي من يمشي وهو أمر إيجابي يدل على تنامي الوعي الصحي لدى فئات المجتمع.

فهذا النوع من الرياضة التي تعتبر أكثر الرياضات شعبية في العالم حسب موقع snowbrains.com الذي يضيف بأن الشخص الذي يمشي 7500 خطوة في اليوم وهو معدل عام ومعقول للمشي يكون مجموع ما قطعه من خطوات خمس مرات حول الكرة الأرضية بحسابها من خط الاستواء إذا ما امتد عمره إلى 80 عاما.

أما موقع https://www.myshortlister.com/insights/walking-statistics فيقول بأن معدل مشي الإنسان مرتبط بوظيفته حيث حدد بأن جرسون المطاعم يمشي ما معدله 23 الف خطوة في اليوم ، بينما تمشي الممرضات 16 الف خطوة، بينما يمشى عمال محلات التجزئة نحو 15 الف خطوة.

لكن من أغرب الدراسات التي قرأتها ( https://www.health.harvard.edu/ ) هي أن مشي 15 دقيقة في اليوم يقلل من الرغبة الشديدة في السكر والشوكولاتة خاصة في المواقف المجهدة، وأن للمشي أربع فوائد أخرى هي: مساهمته في التخفيض إلى النصف من تأثير الجينات على زيادة الوزن، والتقليل من خطر تطور سرطان الثدي، والتخفيف من ألم المفاضل بل قد يمنعها وذلك بتقوية العضلات المحيطة بالعظام، وأخيرا تقوية جهاز المناعة خاصة ضد أمراض البرد.

·                       إن لم تكن تستطيع الطيران فاجري وإن لم تكن تستطيع الجري فامشي وإن لم تكن تستطيع المشي فازحف .. أيا ما كنت فاعلاً عليك الاستمرار بالتحرك نحو الأمام. مارتن لوثر كينغ

·                       لقد اكتشفت أن الطريقة الوحيدة التي تجعلك نحيفاً هي المشي مع أشخاص سمينين.  رودني دانجرفيلد

·         كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي. فريدريك نيتشه

الأحد، 27 مارس 2022

مقدمة كتبت للطبعة الخامسة من كتاب حقوق الإنسان .. مدخل إلى وعي حقوقي للأستاذ أمير بوخمسين

يوسف أحمد الحسن

لا يكاد يوجد في دستور أي دولة مادة واحدة ضد أي بند من بنود حقوق الإنسان المشهورة، كما لا يوجد ذلك في مواد أي منظمة أو حركة سياسية أو دينية أو إنسانية. ولا نبالغ إذا ما قلنا إنه حتى بعض المنظمات المعروفة بعنصريتها وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان تقوم بالدفاع عن هذه الحقوق في أدبياتها المعلنة.

فالجميع نظريا يدافع عن بنود حقوق الإنسان، كما يدافع عمليا عن أي شخص أو جهة تتعرض للظلم في أي مكان من العالم ( لدى الأطراف الأخرى ) ، وقد يستنكر ويدين ويشجب ذلك بأشد العبارات ، ثم يقيم اجتماعات ومظاهرات ويعقد مؤتمرات مناصرة للمظلوم داعيا للالتزام بحقوق الإنسان والتمسك بمواثيقه ومعاهداته. بل إن دولا قامت بشن حروب من أجل نصرة حقوق الإنسان في دول أخرى وهو ما تسبب في إزهاق أرواح مئات بل آلاف ومئات الآلاف من الأرواح أكثرها من المدنيين الأبرياء كل ذلك لنصرة حقوق الإنسان .

لكن الحقيقة تظهر عند تطبيق بنود اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان من طرف هذه الدول والجهات على شعوبها أو من يخضعون لها ، حينها تظهر مفردات وتطفو أولويات أخرى على السطح لتبرير الابتعاد عن ذلك ، حيث تصبح حقوق الإنسان واجبة لكن على الآخرين فقط !

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتضمن من البنود والمواد ما يغطي جميع الجوانب الإنسانية ويكفي البشرية جمعاء لكي يسود العدل والمساواة ولكي يحصل الجميع على حقوقه دون نقصان. لكن المشكلات تحصل عندما يحاول شخص أو مجموعة ما أن تتحصل على حقوقها فتواجه بالصد أو الرفض وبالسجن أو القتل وذلك لأسباب متعددة منها تضارب المصالح أو تزاحمها أو محاولة الاستئثار بجزء أكبر من الكعكة من قبل فئة أو فئات متنفذة في بقعة جغرافية معينة يهدد مبدأ حقوق الإنسان مصالحها أو يقلص منها، حينها تظهر حقيقة التمسك بمبادئ وبنود حقوق الإنسان.

ورغم أن الاهتمام بحقوق الإنسان قديم قدم البشرية ذاتها منذ بدأ الناس يعيشون حياة مشتركة ، لكن أول ظهور لمصطلح حقوق الإنسان كان في العام 1776م عندما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها من بريطانيا، وبعدها تم طرح قانون لحقوق الإنسان في فرنسا بعد انتصار الثورة الفرنسية في العام 1789م . وفي العام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتضمن ثلاثون بندا شملت جميع جوانب هذ الحقوق، حيث كانت المرة الأولى التي تتفق فيها دول العالم على حق الإنسان في الكرامة والحرية والمساواة بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو غير ذلك من الفوارق بين أبناء البشر .

أما في العالم الإسلامي فقد تأخر كثيرا طرح المفهوم والمفردة في الأدبيات العربية والإسلامية، كما لم يواكب الفقه الإسلامي مسيرة حقوق الإنسان حيث لم يتم إعطاؤه بابا مستقلا وهو ما كان سيزيد من الاهتمام الشعبي بهذا الموضوع الحساس فيما لو تم. وجاء أول طرح لهذا المفهوم والمفردة والاعتراف بها في العام 1981 عبر منظمة المؤتمر الإسلامي بعد اجتماعات متعددة رغم وجود كثير من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل أو بآخر في القوانين والتشريعات الإسلامية وفي دساتير عدد من الدول العربية والإسلامية قبل ذلك.

قبلها لم تأخذ هذه البنود حقها في الانتشار لعدة أسباب منها طغيان الاهتمام بأمور أخرى على هذه الأمور مثل الأمور الفقهية التعبدية والعقائدية ، وعدم الاهتمام بتدوين ونشر التشريعات الإسلامية التي تكفل حقوق الإنسان مقابل الاهتمام بذلك في المجتمعات الغربية في العقود والقرون السابقة .

ورغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس ملزما للدول من الناحية القانونية، لكن ما يبهج الصدر في السنوات الأخيرة هو تنامي الاهتمام بهذه القضية بحيث أصبحت موضوعا ساخنا في مختلف وسائل الإعلام وفي منصات التواصل الاجتماعي ، بل إنها أصبحت بندا هاما من بنود عدد من الأحزاب السياسية في بعض دول العالم خاصة الأوربية منها .

ويعتبر هذا الكتاب وعيا مبكرا من الكاتب الأستاذ أمير بوخمسين بأهمية هذا الموضوع حيث أنهى كتابة الكتاب في العام 1995 قبل أن  يتبناه مركز دراسات الوحدة العربية ثم يقوم بطباعته وتوزيعه في أنحاء العالم، في ذلك الوقت الذي كان الاهتمام بهذا الموضوع في العالم العربي محدودا في دوائر سياسية أو اجتماعية ضيقة للغاية. وما تعدد طبعات هذا الكتاب إلا دليل على الأهمية التي أضحت تشكلها هذه القضية للرأي العام العربي في هذا الزمن الذي لا يستطيع أي شيء في العالم أن يحجب انتشار الأخبار السلبية منها والإيجابية.

ورحل المحبوب الكريم

 يوسف أحمد الحسن

أكثر ما كان يشدني لشخصية المرحوم حسن الحبابي هو حسن استقباله لزواره وضيوفه مهما كانت ظروفه وحاله . فهذا الرجل الثمانيني تجمعت فيه من الخصال ما يندر أن تجتمع في شخص واحد . فهو الكريم الذي لا يغلق باب بيته أمام أحد ، وكان عندما يغيب عنه أحد فإنه يبادر بالسؤال عنه ودعوته . وظل على الدوام يفتح منزله رحمه الله في كثير من ليالي شهر رمضان للإفطار بحضور العديد من شخصيات وعلماء المنطقة . 

ولم يكن ( أبوعبدالمنعم ) يكتف بالضيافة المعروفة طوال أيام السنة من أطيب أنواع الطعام والشراب ، بل كان يستقبل ضيوفه بالبشاشة وطلاقة الوجه والحديث الجميل المفيد ، وكأنه يقول :

أحدّثه إن الحديث من القرى  -   وتعلم نفسي أنه سوف يهجع

أو كأنه يقول :

وإني لطلق الوجه للمبتغي القِرى - وإن فنائي للقرى لرحيب

أضاحك ضيفي عند إنزال رحله  - فيخصب عندي والمحل جديب

وما الخِصب للأضياف أن يكثر القِرى  - ولكنما وجهُ الكريم خصيب

وما يثير إعجابي في الرجل أنك تشعر معه أنك تجالس رجلا من الجيل الأول الذي تجتمع فيه صفات العرب الأوائل من الشجاعة والشهامة والكرم وحسن الضيافة والمعرفة بالأدب والحديث الجميل الذي لا يمل . ولا يمكن أن تخرج من منزله دون أن تستفيد منه قصة أو طرفة أو حدثا تاريخيا أو حتى بيت شعر .

كان آخر عهدي به في رمضان الماضي حيث زرته بعد الإفطار مع صديقي الأستاذ أمير بوخمسين رغم حرصه على أن يكون الإفطار عنده . وقد تداولنا معه في اللقاء بعض الأحاديث الخفيفة مكررا طلبه أن تكون زيارتنا التالية على إفطار رمضاني أو وجبة أخرى .

ورغم أن مجلسه ( رحمه الله ) لم يكن يخلو من الرواد على مدار أيام الأسبوع ، إلا أنه كان يعقد مجلسا أسبوعيا للأدب والثقافة والفكر ليلة الخميس يدعو إليه أبرز الشخصيات والشعراء والأدباء والمهتمين بالشأن العام ، كما كان يحرص على حضور المناسبات العامة كالزواجات والفواتح والمشاركة في العديد من المطالبات الاجتماعية فيما يخص مدينة العمران وغيرها .

تغمد الله فقيدنا الكبير أبو عبدالمنعم بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جنته وألهم أهله وذويه وعائلة آل حبابي الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 

موقع المطيرفي - 2021/08/11

من أجل مجتمع مدني ..

يوسف أحمد الحسن 

حينما يدور الحديث عن مؤسسات المجتمع المدني ، فقد يدور في خلد البعض بأن هذه المؤسسات يقصد بها مؤسسات خارج نطاق القانون أو متمردة على البلدان التي تعمل بها .. لكن الحقيقة مختلفة عن ذلك تماما .. فهذه المؤسسات التي تعرف بأنها ( مؤسسات تطوعية غير حكومية وغير إرثية وتشكل قطاعا ثالثا بين القطاعين الحكومي والخاص ) .. ليست مخصصة للعمل السياسي، بل إن منظري مفهوم المجتمع المدني لا يعتبرون الأحزاب السياسية جزءا من مؤسسات المجتمع المدني لأنه وبحكم وظيفتها وطبيعة عملها، تهدف الوصول إلى السلطة ولذلك فهي سياسية ، وهذه الأخيرة لها مجالاتها وسياقاتها الخاصة بها .. بينما هناك بعض مؤسسات المجتمع المدني تسمح لبعض الأحزاب السياسية بأن تشارك في نشاطاتها حتى تصل إلى السلطة، فإذا وصلت يتم استبعادها ..

وتحصر مجالات مؤسسات المجتمع المدني في نشاطات مرتبطة بقضايا المجتمع مثل البيئة وحقوق الطفل والمرأة وحقوق الإنسان، إضافة إلى الجمعيات العلمية والمهنية .. ويعتبر وجود هذه المؤسسات ضرورة في أي مجتمع، كونها تخدم شرائح معينة في المجتمع، وتدعم توجهات اجتماعية مفيدة في المجتمع، لأنه ومهما بلغت قدرات أي دولة على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية الداخلية، فلن تستطيع أن تشمل جميع هذه القضايا . هذا فضلا عن أن الطبيعة البيروقراطية للأنظمة الحكومية تحول بينها وبين الفاعلية المناسبة لسد ثغرات المجتمع وحاجياته .. ولذلك فإن أخطر ما يمكن أن يواجه مؤسسات المجتمع المدني هو فقدان استقلاليتها ومحاولة إلحاقها بمؤسسات الدولة، حيث تصبح مجرد إدارة حكومية جديدة تضاف إلى ما هو موجود من إدارات. وتصبح هذه المؤسسات حينها مجرد ديكور تجميلي للأنظمة . كما أن بعض الأنظمة الديكتاتورية تحاول أن توظفها لصالح استكمال هيمنتها على مفاصل المجتمع .. وبدلا من أن تعزز هذه المؤسسات مفاهيم الديمقراطية والمشاركة والإصلاح والسلم الاجتماعي، تتحول إلى أدوات حكومية للرصد وللتحكم في الفاعلين في المجتمع ..

ويعتبر ازدياد أعداد هذه الجمعيات في مجتمع ما مؤشرا على فاعلية ذلك المجتمع ... كما أن تنوع مهام هذه المؤسسات يدل على وعيه بأهمية كثير من الجوانب التي ربما لا تستطيع مؤسسات الدولة أن تقوم بها ..

يعتبر المجتمع المدني لدى بعض الحكومات وسيلة لاستكمال هيمنتها على المجتمع ، وللمحكومين تعمق عملية النمو الديمقراطي للمجتمع . ولا يمكن لهذه المؤسسات أن تكون فاعلة دون غطاء ثقافي ودون سياقات عامة من الحرية والديمقراطية والتعددية .

عندما يصاب المحامي بالكورونا!

يوسف أحمد الحسن 

عندما اتصل ابني محمد بي من عيادة (تطمن) وهو مبتسم، توقعت أن تكون نتيجة فحصه لفيروس كورونا سلبية ، لأننا ( أنا وأمه ) كنا متوجسين من النتيجة ومن احتمال انتقاله لنا كوننا مخالطين له في المنزل . لكنه فاجئنا بأنه مصاب !

ولماذا تبتسم يا حبيبي ؟ قلت له ، أجاب لأنني عرفت مصيري أنني مصاب وهو أفضل من حال الانتظار البطيء .

وقد بدأت القصة في صبيحة ذلك اليوم عندما كان محامي المستقبل يستعد للذهاب إلى المكتب ، فقام باستخدام عطره المفضل قبل خروجه من البيت ، لكنه فوجئ بعدم شمه لرائحته . رغم ذلك ونظرا لاستعجاله قاد سيارته وحالما دخل المكتب فوجيء برائحة القهوة النفاذة تخترق خياشيم أنفه ، وهنا حصل لديه لبس خاصة أنه لم يكن يشعر بأية أعراض أخرى كالحرارة .. فهل هو مصاب أم سليم ؟ وعندما استشار زميلة له في المكتب أشارت عليه بالعودة إلى البيت وبالفحص .. وهكذا كان .

توجه محمد إلى مركز ( تطمن ) فأخذوا منه مسحة وعاد إلى المنزل وحجر نفسه اختياريا ، وبعد أقل من يومين جاءت النتيجة إيجابية ، حيث توجب علينا حينها ( أنا وأمه وأختيه وزوجيهما ) أن نقوم بالفحص . كانت نتيجة فحصنا سلبية ولله الحمد لكنها ليست نهائية كما هو معلوم من طبيعة هذا الفيروس اللعين وفترة حضانته .

ما أعجبني في قصة إصابة ابني بالفيروس هو روحه المعنوية العالية بعد معرفته بالإصابة ، الأمر الذي انعكس علينا نحن أيضا . والمهم في الموضوع هو أنني حسب ما علمت من بعض الأطباء أن ارتفاع المعنويات ينعكس بشكل مباشر على زيادة مناعة جسم المريض وهو ما لاحظناه في ابننا محمد الذي لم يشعر سوى ببعض الآلام البسيطة في جسمه ليومين فقط وفقدان حاسة الشم  . لكنه ورغم ذلك بقي في غرفته لحوالي أسبوعين حيث قيل له إنه يجب أن يحجر نفسه لعشرة أيام ابتداء من آخر يوم شعر فيه بأعراض المرض .

وختاما نؤكد أنه لولا معنويات ( محامي المستقبل العتيد ) لكان وضعنا نحن في البيت أسوأ بكثير .. فلم يكن يتأفف أو يتضايق من حالة الحجر التي فرضها على نفسه ، وكان ينتظر إحضارنا لوجباته الثلاث بحالة من التجمل والصبر مرددا أننا نحن متأثرون بالمرض أكثر منه .. فلله الحمد من قبل ومن بعد .

 

موقع آراء سعودية - 30/07/2020 

سينما الأحساء مستمرة..

 يوسف أحمد الحسن

رغم أن كورونا يلقي بظلاله الكئيبة على العالم ورغم حالة الخوف التي تخيم عليه حيث يجلس في بيتوهم نحو ما يقرب من نصف سكان الكرة الأرضية حتى الآن، إلا أنه ولأن الحياة يجب أن تستمر كان لابد لبعض الجهات والتي لا يبدو أنها حيوية أو ضرورية أن تواصل المسيرة وأن تستمر في العطاء معطية بذلك أفضل النماذج للآخرين في أن المجال لا يزال مفتوحا لمن يريد العمل بما يتناسب والمرحلة الجديدة والظروف الراهنة.

وقد كان لنادي السينما التابع لجمعية الثقافة والفنون بالأحساء قصب السبق في هذا المجال . فرغم القرار الحكومي الواضح بإلغاء أي تجمعات مهما كانت طبيعتها ، إلا أن النادي الوليد الذي لم يمر على تأسيسه عامان ولم يمض على افتتاح مقره وبدء نشاطه الجديد سوى بضعة أشهر أصر على مواصلة العمل لكن بأسلوب جديد . فقد أقام قبل أيام ندوة مع أحد الكتاب الإماراتيين تم بثها على حساب النادي في انستغرام ، حظيت بتواجد افتراضي لنحو 90 شخصا قاموا بالاستماع للمحاضر وإرسال أسئلتهم إلى مدير الندوة . ويعتبر هذا العدد جيدا جدا وربما لم يكن ليحضر مثله لو أقيمت المحاضرة في الجمعية . كما أقيم بعدها برنامج آخر حول الإخراج وصناعة الأفلام حظي أيضا بحضور افتراضي كبير . ولا تزال اجتماعات النادي متواصلة خلال أيام منع التجوال لكن افتراضيا مستفيدين من تطبيقات الجوال .

وقد استوعب أعضاء نادي السينما في الأحساء بشكل جيد بأن السينما رغم أنها تسمى الفن السابع - حيث أتت في المرتبة السابعة تاريخيا من حيث ترتيب الظهور - إلا أنها تأتي الأولى من حيث استحواذها على اهتمام العالم ، نظرا لقدرتها المتميزة على التأثير في الناس وفي سلوكهم وحتى اهتماماتهم إذا ما أعطيت حقها . بل إنه يمكن اعتبارها جامعة للفنون الستة الأخرى التي سبقتها في الظهور ومبرزة ومحفزة لها .

وتعتبر هذه الخطوة الرائعة من النادي تتويجا لسلسلة من الفعاليات والأنشطة التي دأبت الجمعية على إقامتها طوال أيام السنة تتنوع بين الجوانب الفكرية كتوقيع وقراءة لكتاب أو معرض تشكيلي أو أنشطة منبرية متنوعة أو ما شابه . وتضرب الجمعية في هذا النشاط المحموم أروع الأمثلة على القدرة على الإبداع حتى مع ضعف الإمكانيات وقلة الميزانية المرصودة لها ، حيث أضحت ملجأ لجميع المبدعين في محافظة الأحساء متجاوزة ما هو متوقع منها كونها تفتقر حتى لمقر ثابت لها ، حيث قد لا يصدق من هم خارج الأحساء أن مقر الجمعية هو قبو المكتبة العامة في الأحساء . ويعود الفضل في ذلك إلى الشغف الموجود لدى أغلب أعضاء الجمعية والإدارة الجيدة والمرنة من قبل مديرها الأستاذ علي الغوينم الذي يتحدث عنه الأعضاء بأنه يذلل لهم الصعاب ولا يقف حجر عثرة أمام أي مشروع يطرحونه .

هنيئا للأحساء بهذه الثلة الرائعة والمتميزة ، وهنيئا للوطن بهذه الجمعية الرائدة وإلى مزيد من العمل والنشاط ضمن الأطر القانونية للبلاد وبعيدا عن البيروقراطية التي قد تعطل الأعمال .

 

موقع آراء سعودية – 10 ابريل 2020 قبل مدة من بدء انتشار فكرة البث عبر انستغرام وزووم بين الناس.

من فوائد الفيروس اللعين

يوسف أحمد الحسن 

أخذ كورونا منا الكثير لكنه استطاع أن يعطينا أمورا لم نكن نحلم بها وكنا نتمناها ونتغنى بها وكأنها من سابع المستحيلات. فقد أجبرنا هذا الفيروس اللعين على العودة إلى البساطة والاهتمام ببديهيات الحياة.. فبينما كانت القيمة السائدة في العالم الحصول على أكثر الأمور تعقيدا وتكلفة كالسفر والخروج للتنزه وقيادة السيارات الفارهة والسفر على الدرجة الأولى وارتياد ديزني لاند وما شابهها، أصبح البقاء في المنزل هو الخيار الوحيد لدى أغلب الناس.  صحيح أن ذلك لم يحصل بمحض إرادتنا، إلا أنه عندما حصل استقبلناه برحابة صدر ذلك لأنه كان الأكثر أمانا وحميمية بالنسبة لنا. وأصبح شعار (خليك بالبيت) الأكثر انتشارا متصدرا قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولا في العالم وبجميع اللغات. وأدى ذلك ( بين أمور أخرى ) إلى إجبارنا على البقاء إلى جانب أقرب الناس إلينا وهم أقاربنا من الدرجة الأولى ( بل من الدرجة الممتازة إن صح التعبير ) ، كما أدى بدوره إلى حصول نوع من التعارف القسري بيننا وبينهم . وهناك تعارف آخر حصل بيننا وبين مقتنياتنا المنزلية. فبالنسبة لي شخصيا اكتشفت أن لدي كنزا من العملات القديمة (ورقية ومعدنية) كنت أجمعها أيام المراهقة وبقيت حبيسة الأدراج والدواليب لعدة عقود رغم تغير الظروف وتعدد المساكن ورغم حالة السفر والحضر التي مررت بها. كما اكتشفت كنزا آخر من طوابع البريد القديمة منذ سبعينات القرن الماضي، وكنز ثالث من المجلات القديمة التي كنت أقرأها في ذلك الوقت كمجلة العربي الكويتية ومجلة النهضة الكويتية (والتي كنت أراسلها) والكواكب والمصور وروز اليوسف والمستقبل. وأنا متأكد من أن للجميع كنوز من هذا النوع لم يكن يجد الوقت الكافي للتنقيب عنها.

علمنا هذا الفيروس أن بالإمكان الاستغناء كثير من الأمور كالسفر خارج البلاد وحتى التنقل بين المدن، كما علمنا أنه يمكن الاستغناء عن المطاعم والحدائق العامة والالتقاء بالأصدقاء بشكل يومي في الاستراحات وأن ننظم حياتنا وأولويات علاقاتنا الاجتماعية والتبضع كل يوم. كما علم بعضنا أن ينفض الغبار عن بعض الكتب التي اشتراها منذ مدة وأن يقرأها الآن.

شكرا كورونا لأنك أتحت لنا فرصة لذلك، وشكرا لأنك كذلك أتحت لنا فرصة لكي ندرك قيمة البيت وجماله. شكرا لأنك جعلت الكثيرين يستشعرون حلاوة الطعام المنزلي حيث أعرف بيوتا كثيرة لم يتذوقوا طعم عشاء البيت لسنوات طويلة. شكرا كورونا لأنك أعطيتنا فرصة لكي نفكر في أمور لم يكن لدينا الوقت لكي نفكر فيها، جعلتنا نجرب أمورا لم نكن نحلم بتجربتها.

 

موقع آراء سعودية – 2 ابريل 2020م

الجوال في مواجهة كورونا

يوسف أحمد الحسن 

فرق بين أن تواجه الأمراض بمجرد الكلام والتمنيات أو بالدعاء وحده دون عمل وأن تواجهه بسلاح العلم والتقنية . فقد أصبحت العلوم اليوم ليس مجرد ترف أو وسائل ترفيه وتسلية أو كماليات بل ضرورة قصوى يعتمد عليها تطور أو تخلف مجتمع ما أو حتى العالم كله .

وفي ظل انتشار وباء كورونا شمرت مختلف دول العالم عن ساعد الجد لديها من أجل محاصرة ومكافحة هذا المرض عبر حزم كبيرة من الإجراءات الوقائية والعلاجية والتي تأمل أن تؤدي أو على الأقل تساهم في التقليل من أضراره وتحديد مناطق انتشاره .

ومن أفضل الوسائل التقنية التي تم استخدامها مؤخرا هو ما قامت به الصين من  استخدام أحد تطبيقات الجوال للمساعدة في محاصرة هذا الفيروس الذكي ومعرفة أماكن تواجده وهو تطبيق(       ( close contact.

ويتلخص عمل هذا التطبيق في أنه بعد أن يتم إقناع ( أو إجبار ) الناس على استخدامه يقوم برصد أماكن تواجدهم في كل وقت ، وعندما يريد أي شخص أن يخرج من منزله فإنه يتم قياس درجة حرارته وتأخذ السلطات علما بالمكان الذي ينوي الذهاب إليه سواء كان سوبرماركت أو صيدلية أو أي مكان ضروري حيث يتم قياس حرارته هناك ثانية . لكن المهم هنا هو أنه وعند اكتشاف إصابة أي شخص بكورونا فإنه يمكن وبسهولة معرفة أماكن تواجده وتنقلاته في جميع الأوقات ، وكذلك معرفة جميع الأشخاص الذين كانوا بالقرب منه أو ما يسمون بالمخالطين ، وعليه فإنه يمكن وبسرعة استدعاؤهم واتخاذ الإجراءات المطلوبة تجاههم من عزلهم أو علاجهم .

وقد قام مطورون في كوريا الجنوبية أيضا بتصميم تطبيقات شبيهة أضحت مؤثرة للغاية في المشهد الصحي هناك ، منها تطبيق Corona Map  و Corona 100m و Corona Doctor ، حيث تقوم إحداها ( Corona Map )  بتحديد أماكن تواجد أي مريض من أجل أن يتجنبها الآخرون معتمدين في ذلك على ثقتهم في تعاون مواطنيهم . واللافت في الأمر هنا أن هذه التطبيقات قام بتصميمها مواطنون متطوعون بجهودهم الشخصية .

وقد ساهمت هذا التطبيقات ( من بين إجراءات أخرى ) في السيطرة على المرض ومحاصرته في كل من الصين وكوريا الجنوبية . وبطبيعة الحال فإن هذا التطبيق يمكنه العمل في حالات فرض إغلاق كلي على دولة معينة أو حتى منطقة محددة ووصول المرض إلى درجة حرجة . لكنه يمكن بدء العمل به في أي بلد وتشجيع الناس على تركيبه في أجهزتهم عبر مختلف الطرق حيث يمكن استخدامه فورا عند الضرورة .. ويمكننا نحن مثلا في المملكة مثلا ربط استخدامه بتطبيق ( أبشر ) واسع الانتشار لدينا بعد أن يتم تصميم نسخة محلية منه .

ولا يمكننا هنا أن نغفل الجهود الجبارة والمثمرة التي قامت وتقوم بها وزارة الصحة في المملكة لمحاصرة المرض في وقت مبكر وقبل أن ينتشر وهو ما ساهم في محاصرة المرض حتى الآن، وهو الأمر المرهون بتعاون المواطنين على مختلف الأصعدة في هذه الفترة الحرجة ليس للمملكة فحسب بل للعالم أجمع آملين أن يتم التوصل قريبا لعلاج أو مصل لهذا المرض المحير.

 

موقع حسا نيوز – 19 مارس 2020م

·         نشر المقال قبل عدة شهور من اعتماد برنامج شبيه في المملكة (توكلنا) في مايو 2020م.

السبت، 26 مارس 2022

المجلات الثقافية .. سؤال المستقبل

يوسف أحمد الحسن 

كما ينتظر الناس اليوم نزول منتج الكتروني جديد بشغف كبير ، كان أسلافهم قبل عقد أو اثنين ينتظرون كل شهر صدور عدد جديد من مجلتهم المفضلة لكي يشبعوا شغفهم الثقافي . ذلك أن المجلات الثقافية كانت البوابة الثقافية المتجددة شبه الوحيدة للمثقف أو من يطمح أن يكون كذلك . في ذلك الزمن القريب كانت قنوات الثقافة محدودة جدا ومنحصرة في الكتب والمجلات والإذاعة والتلفزة إلى حد ما . وحتى المجلات كان تعاني من مشكلات التوزيع والوصول إلى مختلف شرائح المجتمع العربي . وقرأنا في مذكرات بعض الأدباء والرحالة أنهم كانوا يقطعون الفيافي من أجل الاطلاع على دراسة في مجلة أدبية أو ثقافية في شرق العالم العربي أو غربه . ولذلك فقد كانت المجلات الثقافية تعيش آنذاك عصرها الذهبي وكان عدد منها ينفذ من الأسواق فور صدوره ، وكانت تستقطب أفضل الأقلام الفكرية والثقافية في العالم العربي لأنها تعكس بالضرورة هوية الدولة التي تصدرها ومستوى اهتمامها وشعبها بالفكر والثقافة .

فمجلة العربي ( مثلا ) وهي المجلة الثقافية الرائدة التي ساهمت في إبراز عدد من المفكرين كما ساهمت في صنع عدد منهم أعطت للثقافة طعما لذيذا بأسلوب راق وطريقة إخراج وطباعة جذابين ، كما دشنت في مختلف مراحل صدورها عهودا زاهية من الفكر والثقافة يحتفي بها المثقفون . ولم تك تخلو مكتبة منزلية من هذه المجلة التي كان يفخر الجميع باقتنائها وسرد مضامينها لأقرانه ، تماما كما يفعل البعض اليوم عندما يحاول أن يفتخر بآيفون6 أو جالاكسي نوت أو آيباد . وكان غاية حلم المثقف العربي في فترة ما أن ينشر له مقال في هذه المجلة ويعتبر ذلك وسام شرف له ولسجله الأدبي . ولا عجب في ذلك وقد كتب فيها عمالقة الأدب العربي مثل طه حسين ، وعباس محمود العقاد ، ونجيب محفوظ ، ويوسف إدريس ، ونزار قباني وغيرهم . ولا تزال ( مجلة العربي ) من المجلات العربية القليلة التي تشعر بعد قراءتها أنك أضفت إلى مخزونك الثقافي والفكري الشيء الكثير .

وكما كان يقال سابقا إنه ( لو خيرت بريطانيا العظمى بين شكسبير ومستعمراتها الهندية ، لما عدت الأولى ) ، فإن مثقفو الكويت قد لا يختارون على مجلة العربي شيء لو خيروا بينها وبين حقل برقان النفطي . ولذلك فإن المجلة العريقة التي تتصدر رفوف المكتبات لم تتوقف إلا فترة قصيرة أثناء الغزو العراقي للكويت .

محطات فارقة في مسيرة المجلة :

تميز الدكتور زكي أحمد ( وهو أول رئيس تحرير للمجلة ) بمقومات أفضل رئيس تحرير واستطاع بقدراته أن يبز نظراءه بفارق كبير بينه وبينهم ، واستطاع أن ينقل الكويت ( قبل الاستقلال ) إلى مصاف الدول الناضجة ، كون الواقع الثقافي يعكس مدى النضج السياسي وعمق الاستقرار في أي بلد . وشعر جميع متابعي المجلة بالصدمة عندما توفي في العام 1975 ، رغم محاولات الأستاذ أحمد بهاء الدين تعويض ذلك . وقد تناوب على رئاسة تحريرها خمسة هم : د. زكي أحمد ، أحمد بهاء الدين ، د. محمد غانم الرميحي ، د. سليمان العسكري ، د. عادل سالم العبدالجادر ، أول أثنين كانا من مصر قبل أن  يتولى رئاسة تحريرها كويتيون .

وقد ساهم في استقرار العربي كمجلة ثابتة الأركان لم تتأثر بأي هزات سياسية أو اقتصادية صدورها عن وزارة الإعلام الكويتية . فرغم أن المجلة كانت ولا تزال ( شهرية ثقافية ) بالدرجة الأولى كما يكتب على صفحتها الأولى ، إلا أنها كانت لا تخل من رائحة سياسية ، خاصة في ( حديث الشهر ) الذي يكتبه رئيس التحرير . وبطبيعة بانتماء المجلة ( تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت ) ، فإنها تلتزم بالخطوط العامة لسياسة دولة الكويت ، ولا يتوقع أحد أن تتبنى آراء متباينة مع ذلك . ومما تحسد عليه المجلة أنه ومنذ صدورها في العام 1958م وحتى اليوم لم يظهر تغيير صارخ على شكلها الخارجي أو مقاس طباعتها ، وكانت تتبنى دائما أفضل أنواع الورق في زمن صدورها . وربما أراد بعض رؤساء تحريرها طرح أفكار لا تتطابق والرؤية الرسمية للدولة ، لكن ذلك لا يمكن أن يستمر في ظل التمويل الكامل للمجلة من وزارة إعلام الكويت . وللحقيقة ما كان يمكن للمجلة أن تستمر في الصدور والتألق بدون الدعم الحكومي الذي أسس لاستقرارها وثباتها طوال العقود الماضية .

وهكذا تأثرت المجلة صعودا وهبوطا بتغيير رئيس تحريرها ، كما تأثرت بالغزو العراقي للكويت ، وأصاب المجلة بعض الفتور في مبيعاتها مع انتشار تقنية مواقع الإنترنت ، حيث إن الكثيرين صاروا يقرأون أكثر مقالاتها على النت بدلا من شرائها من الأسواق رغم أن أعداد طباعتها وصلت إلى 250 ألف نسخة شهريا . واستنفذت الأجهزة الحديثة أوقات الشباب الذين كانوا يترقبونها في حقبة ما ليتحولوا إلى متابعة أمور أخرى يحسبونها أكثر أهمية أو أكثر جاذبية من مجلة ثقافية يرونها كئيبة . وكانت المجلة للحق غالبا ما تحاول مواكبة التطورات التكنولوجية أو حتى العلمية ..  فإضافة إلى المجلة الأم هناك العربي الصغير ، والعربي العلمي ، وكتاب العربي وبث فضائي ، كما عقدت عدة ندوات علمية وفكرية ثقافية داخل وخارج الكويت . ولا يزال لدى الكثير من الأدباء والمثقفين العرب حنين وتوق لهذه المجلة التي تمثل نموذجا متألقا للمجلة الناجحة والتي استطاعت الصمود في وجه مختلف أعاصير السياسة والثقافة والتقنية .

المجلة العربية – 11 أكتوبر 2015م

ماذا لو كانت الموناليزا تبكي؟

يوسف أحمد الحسن

سؤال طرحه أحدهم علي بينما كنا في إحدى مناسبات الأفراح .. هل كانت هذه اللوحة الساحرة ستنال من الشهرة ما نالته حتى لا يكاد يجهلها أحد في العالم لو كانت تبكي ؟ وهل كانت ستحظى بمنزلة أغلى لوحة في العالم وتتصدر أشهر متحف ؟ 

رغم أن السؤال افتراضي ويصعب الجزم بإجابة قاطعة عليه ، ورغم أنه قد يكون للفنانين رأي آخر وتحليلات أخرى ، إلا أن الرأي البديهي هو النفي .

كانت الجيوكندا تبتسم رغم مرضها الذي تحدث عنه أحد الأطباء – وهو الدكتور فيتو فرانكو من جامعة باليرمو الإيطالية –  والذي قال بأنه استنتج بأن الجيوكندا ربما كانت تعاني من زيادة في نسبة الكوليسترول لديها وأن لديها ورما حميدا أو كيسا دهنيا تحت عينها اليمنى .. ومع كل ذلك فإنها كانت تبتسم ، وقد خلدت ابتسامتها في هذه اللوحة الباهرة ..

لقد سحرت الموناليزا قلوب الملايين في العالم وأشغلت آلاف الخبراء في تحليل محيَاها ليس لشيء إلا لابتسامتها ، وكأنها تريد أن تقول لنا إن الألم لا يمنع الابتسام ، وأنه لا يكلف شيئا أكثر من حركة بسيطة لعضلات الوجه تقل عن الحركات التي يتطلبها العبوس .

وتختلف الشعوب في تعاملها مع الابتسامة .. فهناك شعوب تعطيها تفسيرات سلبية كالنكتة المتداولة والتي تقول بأنه عندما يبتسم الولد أمام أمه فإن ردها ( قل لي أي مصيبة فعلت ؟ ) ، وأن ابتسامة الموظف أمام مديره تعني أنه سيطلب إجازة اضطرارية ، بينما قد يكون خلف ابتسامة الزوجة ( مشوار تسوق ) . هذه النكتة تبالغ في تأويل الجميل ، وتنغص علينا لحظاته الحلوة .

ذهلت شخصيا عندما نزل سائق سيارة الأجرة في أحد شوارع القاهرة بعد أن اصطدمت به سيارة أخرى مسرعة ، حيث نزل وهو يبتسم له ويطلق النكتة تلو الأخرى ، بينما حادث كهذا يحصل في بلد آخر قد يشعل حربا ضروسا بين سائقي السيارتين ، أٌقل ما يحصل فيه تطاير العقل والشماغات وبعض الرضوض في وجهيهما !

لماذا لا نتعلم أن نبتسم أمام الحوادث ، ونواجه العقبات بروح رياضية وببعض الكلمات اللطيفة التي إن لم تنفع فلن تضر ؟

هل يمكننا أن نحول بعض الألفاظ النابية التي تنطلق عند احتدام النقاش إلى حركة بسيطة على الوجه تمتص غضب الطرف الآخر ؟

إننا بحاجة إلى أن نخصص دقائق من يومنا للابتسام تطبيقا لحكمة ملخصها أنك حتى تكون سعيدا كل يوم : امش سبع كيلومترات ، وكل سبعة أنواع من الخضروات ، وتذكر سبع مواقف جميلة وابتسم لها .

فهل نستطيع أن نتذكر موقفا جميلا واحدا على الأقل كل يوم ونرسم على وجوهنا ابتسامة ولو كانت خفيفة كابتسامة الموناليزا ؟

جريدة اليوم – 6 ديسمبر 2015م

للبر قصة طويلة في الأحساء

يوسف أحمد الحسن 

ست وثلاثون مكتبا ومركزا يعمل بها 330 موظفا ونحو ألفي متطوع موسمي ، يجمعون نحو 66 مليون ريال في عام واحد من 60 ألف متبرع ، هي قصة نجاح جمعية البر الخيرية في الأحساء لهذا العام التي أهلتها للحصول على جائزة الملك خالد الخيرية ( فرع التميز للمنظمات غير الربحية للعام 2015م ) . فهذه الجمعية التي تأسست في العام 1400 للهجرة وتناوب على إدارتها أفضل القيادات الإدارية في محافظة الأحساء ، تغطي مساحة جغرافية تعتبر الأكبر على مستوى المملكة وتخدم آلاف الأسر المحتاجة في مناطق متناثرة في المحافظة . وقد وصلت خدمات الجمعية إلى أبعد من 1000 كيلومتر من مركز المحافظة في الهفوف عندما قام مدير الجمعية ( الذي لا يكل ولا يمل ) الأستاذ معاذ الجعفري مع زميل له بالانتقال بسيارة مستأجرة إلى هجرة ( ذاعبلوتن ) في الربع الخالي معرضين أنفسهم للخطر من أجل إيصال المساعدات إلى 30 أسرة محتاجة هناك .

والمبهر في مسيرة الجمعية أمران :

الأول أن أعداد المتبرعين في عام واحد لجمعية واحدة يعتبر رقما قياسيا يعطي مؤشرا على مدى التعاطف الشعبي مع الجمعية ومدى القبول والثقة التي تحظى بها لدى جمهور المحسنين في المحافظة. فقد يبدو طبيعيا أن يقوم متبرع أو اثنان بدفع 66 مليون ريال في عام واحد، لكن أن يتم جمع هذا المبلغ من ستين ألف متبرع فهنا يكمن التحدي وهناك يكون النجاح، حيث الجهد المطلوب للحصول على كل تبرع .

الثاني هو أن عمل الجمعية لم يقتصر على مساعدة المحتاجين بل إن هناك سلسلة من البرامج والأنشطة والفعاليات المواكبة لذلك والتي منها الحفاظ على البيئة وإقامة بعض الدورات التثقيفية والتعليمية ودروس التقوية ، وتدريب أبناء المحتاجين على العمل ومساعدتهم على الانخراط في سوقه ، بل ويتجاوز ذلك إلى التفاوض على الرواتب التي يحصلون عليها ومتابعة استمرارهم في العمل  . كما إنهم تجاوزوا ذلك أيضا إلى إقامة برامج مثل ( احترام الممتلكات العامة ) ، والاشتراك في حملة جمعية تنشيط التبرع بالأعضاء ( إيثار ) لمدة شهر كامل في الأحساء ، وتأسيس مركز التنمية الأسرية ذائع الصيت والذي هو بحد ذاته قصة نجاح أخرى تستحق أن تروى .

إن هذه الجهود المبذولة من الجمعية بمختلف مكاتبها ومراكزها تعكس حب الخير المتجذر في نفوس أبناء هذه المحافظة، كما تدل بشكل جلي على المستوى الإداري المتقدم لدى أبناءها وهو ما استحقت عليه هذا التكريم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

 

جريدة اليوم – 27 ديسمبر 2015م

الذهب الذي لا يذهب

يوسف أحمد الحسن 

عندما يفقد بلد ما الموارد الطبيعية للثروة، فهو أمام خيارين إما أن يستسلم للفقر فيستجدي دولا غنية ، أو أن يفكر في استثمار عقول أبنائه من أجل النهوض ووضع نفسه على سكة الأمم المتحضرة ..

وفي السنوات الأخيرة برزت إحدى البوابات الهامة لاستنقاذ الأمم الفقيرة من فقرها حتى مع جدب الموارد الطبيعية لديها ، ألا وهي بوابة المعلوماتية .. فهذه البوابة التي لها جانبان : الأول تصنيعي وهو المرتبط بصناعة قطع الكمبيوتر ومعداته ، وهو جانب على أهميته بحاجة إلى بعض المواد التصنيعية الأولية ورؤوس الأموال التي قد لا تتوفر بسهولة لدى بعض الدول ، كما أنه بحاجة إلى معرفة تكنولوجية عالية وبنية تحية علمية قوية .

أما الجانب الثاني فهو الجانب البرمجي والذي يحتاج إلى إعداد عقول وتوظيفها التوظيف المناسب.. وهذا الإعداد يحتاج إلى مناهج دراسية مناسبة ومعاهد لإعداد هذه العقول تعلمهم عدة مهارات كمهارة البرمجة والتعامل المحترف مع الحواسيب وتقنيات الإنترنت.. وهي علوم لا تأخذ من الوقت الكثير لتعلمها، كما أنها لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة..

وقد تمكنت بعض دول العالم من التنبه لهذه البوابة الهامة وانتشلت نفسها من الفقر.. ومن هذه الدول الهند ، الدولة التي مهما زادت مواردها الطبيعية فإنها بحاجة دائمة للمزيد من أجل إطعام أكثر من مليار بطن .

وقد توجهت الهند لهذا الأمر مبكرا واستطاعت أن تقفز بصادراتها البرمجية ومن منتجات تقنيات المعلومات بشكل عام من 150 مليون دولار في العام 1991-1992 ، إلى 5.7 مليار دولار في العام 1999 – 2000م ، إلى أضعاف هذا الرقم حاليا . وبلغت نسبة نمو سوق البرمجيات فيها 50% سنويا ، وشكلت نسبة هذه الصادرات 35% من مجموع صادراتها . كما استطاعت أن تضخ أكثر من 60000 مبرمج ( على الأقل ) سنويا إلى سوق البرمجيات العالمي في كل من اليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة . وهناك عشرات آلاف الهنود يعملون حاليا في الهند ، لكن لحساب شركات أميركية ، حيث تبقيهم هذه الشركات في الهند لتوفر على نفسها نفقات النقل والسكن وهو ما يسمى حاليا ( outsoursing ) . ويقوم هؤلاء إما ببرمجة أجهزة الحاسبات والهواتف النقالة ، أو بخدمة العملاء في أنحاء العالم هاتفيا عبر الإنترنت وهم في الهند .

إن هذه الصناعة تشكل منجما هاما من مناجم العلم والثروة التي يمكن لأي شعب أن ينقب فيها  ولا شك في أنه سوف يكتشف ثرواتها إذا ما توافرت الإرادة والقدرة والتخطيط السليم ، خاصة أن الحاجة العالمية للمبرمجين وحدهم يزيد على المليونين حاليا .. ولذلك فإن التوجه نحو هذا الجانب من قبل المؤسسات التعليمية الرسمية منها والأهلية السعودية ، أصبح أكثر أهمية وإلحاحا من السابق . كما أننا ندعو أبنائنا خريجي الثانوية العامة في المملكة إلى التوجه نحو هذه التخصصات الهامة والتي لا يحتاج بعضها أحيانا سوى إلى جهاز حاسب واتصال بالإنترنت .

 

جريدة اليوم – 20 ديسمبر 2015م

رياضة في التسعين!

يوسف أحمد الحسن 

هذا العنوان قفز إلى ذهني عندما قرأت خبرا يقول بأن الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش احتفل بعيد ميلاده التسعين قافزا بالمظلة من مروحية تطير بالقرب من منزله في كينبنكبورت . ذلك أن القفز بالمظلة بحد ذاته أمر يتخوف منه حتى العسكريون الشباب كونه ينطوي على مخاطر جمة واحتمالات سيئة ليس أصعبها حصول خلل في المظلة وعدم انفتاحها آليا أو يدويا .

ورغم أن الرئيس الأمريكي الأسبق ذو خلفية عسكرية وقد خدم في الجيش الأمريكي وسبق له أن قفز بالمظلة عندما أسقطت طائرته في الحرب العالمية الثانية ، إلا أن الإقدام على هكذا خطوة في عمر التسعين أمر يثير الدهشة والإعجاب رغم الملاحظات الكثيرة التي اكتنفت مسيرة الرئيس بوش في الشرق الأوسط والحروب التي شنها أثناء ولايته .

وعلى الرغم من أنه لا أحد يعتقد بعدم فائدة الرياضة في الصحة العامة ، إلا أن أعداد من يمارسها في مجتمعنا لا ترقى إلى المستوى المطلوب لأسباب تتعلق بالطقس والكسل ونمط الحياة أو ببعض الأعراف البالية . وبعيدا عن جوانب الصحة الجسمية للرياضة ، فإن لها إيجابيات اجتماعية وشخصية جمة . فهي تنمي روح العمل الجماعي مع المنافسة والتحدي ، وتسهم أحيانا في كسر حدة المواقف المتطرفة في النظر للأمور عبر احترام قوانين اللعب ، وقد تعمل على المساعدة في بناء علاقات اجتماعية متجددة باستمرار . وعلى الصعيد الشخصي تنمي الرياضة الثقة بالنفس وتخفف من الضغوط النفسية وتساعد على اكتساب مهارات حياتية هامة . كما تقحم الرياضة ممارسها من حيث شاء أم أبى في مشاعر هي أقرب إلى روح الطفولة والشباب مثل مشاعر الفرح والحزن ، والفوز والخسارة وربما رفع الصوت للتعبير عن ذلك كله . ويقول بعض ممارسي الرياضة من كبار السن إنهم طالما شعروا بالحماس والروح الشبابية تدب في أجسادهم ( التي أتعبتها السنين ) وذلك أثناء وبعد ممارستهم للرياضة ، واستعادوا بذلك اتقادهم الذهني ولو لفترة وجيزة . نعم ليست جميع أنواع الرياضات مناسبة لجميع الفئات العمرية ، لكن ما ينبغي أن نتفق عليه هو أن العمر لا يجب أن يقف عائقا أمام ممارستها وبنفس حماس الشباب .

ويلاحظ متابعو بعض الرياضات ( كالجري السريع مثلا ) وجود ما يطلق عليه ( نشوة العدائين ) عند الرياضين الذين يجرون لمسافات طويلة ، يرجعه بعض الأطباء إلى قيام الجسم بإفراز مادة ال Endorphins  التي تسهم في بث حالة من البهجة والسعادة في النفس وتقلل من الشعور بالألم ، إلى درجة قال عنها أحد الأطباء ) ألن هيرش ) : لماذا نلجأ للمخدرات السامة بينما نستطيع حثّ دماغنا على الشعور بالسعادة والاسترخاء . وتفسير ( هيرش ) لذلك هو أن ما تقوم به بعض المخدرات مثل المورفين والهيروئين هو انتاج للأندروفينس لا أكثر . لكن الخبراء يقيدون افراز هذه المادة باستمرار الجهد البدني المعتدل لمدة 20 دقيقة فأكثر .

ومن أجل تشجيع الرياضة في بلادنا نحتاج إلى تنمية البنية التحتية لها في كل مدينة وقرية وأن نقوم بمحاولة تلطيف أجواء شوارعنا لدفع مختلف الفئات العمرية للناس للخروج من منازلهم وممارسة شتى صنوف الرياضة .

جريدة اليوم – 22 نوفمبر 2015م

تبرع بجزء من عمرك!

يوسف أحمد الحسن 

ربما يكون العنوان غريبا على البعض ، كون التبرع عادة ما يكون بالمال أو بالأمور الملموسة  . لكن المقصود هنا من التبرع بجزء من العمر هنا هو المساهمة في الأعمال التطوعية .

ذلك أن مجتمعنا الذي يضج بالنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والشخصية ، تنقصه الكثير من الجهود التي تسد بعض الثغرات فيه مثل المشاركة في الجمعيات الخيرية الخاصة بمساعدة المحتاجين ، أو دعم كبار السن والمشاركة في نشاطات المحافظة على البيئة أو حتى تنظيم حركة المرور عند الضرورة .

وعندما نسمع بأنه كان هناك نحو 1130 متطوعا ومتطوعة ( تابع للفريق التطوعي للهلال الأحمر السعودي ) يخدمون الزوار والمعتمرين في المسجد النبوي الشريف خلال شهر رمضان الفائت ، إضافة إلى آلاف المتطوعين في مختلف المناسبات وفي مختلف المناطق ،  فإن ذلك يدل على اهتمام مجتمعنا بهذا النوع من الأعمال .

ويربط بعض الباحثين بين مستوى وكثافة الأعمال التطوعية في أي مجتمع بأمرين أساسيين هما : حاجة المجتمع إليها ، ومستوى الفاعلية والنشاط والتقدم  لديه . فالمجتمع الفاعل لا يهمه مثلا أن تكون هناك مؤسسات وجهات حكومية موكل بها عمل ما ، بل يبادر أبناؤه إلى القيام بذلك عن قناعة داخلية ، ويتركون للجهات الحكومية دور تأطير هذه الأعمال ما أمكن وتسهيل قيام الناس بها ، ووضع ضوابط لهم وحوافز تشجيعية مثل أن تحسب لهم ساعات العمل التطوعي كنقاط تجمع ثم يتم تكريمهم عند الوصول إلى رقم معين ، أو أن تحسب كساعات تدريب لبعض التخصصات الجامعية أو أن يتم احتسابها لتقليل مدة السجن لبعض الجنح أو الجرائم .

ورغم أن التطوع هو الجهد الذي يبذله الإنسان دون مقابل مادي ، إلا أن المتطوع يكتسب منها بعض الإيجابيات والتي ليس أقلها تعزيز ثقته بنفسه وزيادة خبراته في أمور يميل إليها أصلا وإشباع لرغبات كامنة لديه والمساهمة في تحقيق ذاته . كما أن التطوع يزيد من المكانة الاجتماعية لمن يخوض تلك التجربة شاء أم أبى ، ويؤدي إلى ملء فراغ الشباب ولما لذلك من إيجابيات ، هذا كله علاوة على الأجر الأخروي .

إن مزيدا من الاهتمام بالأعمال التطوعية وزيادة رقعتها ومجالات تطبيقها تنمي  السلوكيات الحميدة في المجتمع وتعزز روح التضامن والتكافل بين أبناءه ، وتعزز جاهزيته لمواجهة أي حدث طاري أو كارثة طبيعية قد تحدث لا قدر الله . وأي إهمال لهذا الجانب يصب بالتأكيد في خانة زيادة المظاهر والسلوكيات الخاطئة في المجتمع وحتى الجرائم .

فما الذي نتوقعه من فقير يشاهد بعض مظاهر الترف والتبذير لدى المجتمع المخملي ، بينما لا يملك هو قوت يومه ويكدح من الصباح حتى المساء من أجل تأمين ضروريات الحياة له ولعائلته ولا يجد من يعينه في شيء ؟ وما الذي قد نجنيه من فقير تكالبت عليه صنوف المشاكل ولا يجد من يقف إلى جانبه ؟

إن الانخراط في الأعمال التطوعية لا يعود بالنفع على المحتاجين إليها فقط ، بل حتى على الأغنياء والمكتفين ، ويؤدي إلى تراكم الحالة الإيجابية والسلوك التكافلي في المجتمع ، ما يدفع بدوره نحو مزيد من التقدم والنماء .

جريدة اليوم – 18 أكتوبر 2015

أف من السياسة!!

يوسف أحمد الحسن 

يعاني كثير من متابعي نشرات الأخبار هذه الأيام من حالة من الكآبة التي تتسلل إليهم دون استئذان . وتعود هذه الحالة إلى أن معظم الأخبار في عالمنا يصبغها الطابع السلبي مثل الحروب والقتل والدمار والزلازل والكوارث وهذا هو حصرا تعريف الأخبار لدى رؤساء تحرير نشرات الأخبار في فضائياتنا . فعندما يكون الناس سعداء مرتاحون ، وعندما لا تحدث مظاهرة في بلد ما ولا اضطرابات سياسية ، وعندما تكون الولادات لدى النساء  طبيعية ، ويكون انتشار الأمراض حول المعدل المقبول ، فإن كل ذلك لا يعني شيئا لكاتب نشرة الأخبار .

وقد زاد من هذه الحالة التوالد السريع للفضائيات المتخصصة في الأخبار التي حتى عندما تنتهي نشرة الأخبار لديهم ويطل علينا برنامج أقل حدة من أخبار المصائب ، فإن شريط الأخبار في أسفل الشاشة ، و ( العواجل ) المتلاحقة تبقى تطارد المشاهد وتشده إلى قراءة ومشاهدة ما يجري في مناطق جغرافية قد لا تعنيه في شيء ..

 ويبدو أن هناك تناسبا عكسيا بين تطور وتقدم الأمم واهتمامها بمتابعة الأحداث السياسة ( أو وعيها السياسي ) . فالدول المستقرة ( مثل غالبية الدول الغربية ) لا يتعدى اهتمام شعوبها بالأخبار ما يحصل في مدينتهم أو حتى حيهم السكني ، ولا يعيرون أي اهتمام لما يجري على ساحتهم الوطنية فضلا عن العالم . فبينما يصبح خبر سقوط هرة في بئر ضيقة هو الخبر الأول في المدينة على قنواتهم المحلية ويحقق أعلى نسبة مشاهدة لديهم ، لا يعني لهم  أي شيء ( نشوب حرب إقليمية خارج حدودهم وسقوط آلاف القتلى وتدمير دول بأكملها )  . بل إنهم قد لا يعرفون عن أسماء عواصم عالمية هامة ، وحتى إن بعض رؤساء الولايات المتحدة وقعوا في أخطاء في معلومات جغرافية بديهية عن دول أخرى . ورغم أن الأمريكيين ( مثلا ) فقدوا آلاف القتلى والجرحى في بلد كالعراق عند تدخلهم إلا أنه وحسب مسح قامت به مؤسسة ( روبر ) فإن 63 في المئة منهم لا يعرفون موقع العراق الجغرافي ، وأن نحو ثلثي المستطلعين من الشعب الأمريكي يعتقدون بأن إيران وباكستان هما دولتان عربيتان . ولذلك نرى أن شعوبا لا تعير للسياسة أدنى اهتمام تتصدر قائمة الشعوب الأكثر سعادة ، بينما تتذيلها دول منغمسة بشعوبها في السياسة .. 

فهل نبتعد عن السياسة حتى نصبح أكثر سعادة ؟

ربما لا يكون هذا هو المقصود ، لأن السياسة قد تجلب السعادة إذا ما أحسن توظيفها والاستفادة منها ، لأن المشكلة أنه حتى لو ابتعدنا عن السياسة فإن السياسة تأبى إلا أن تكون معنا شئنا أم أبينا ، وحتى عندما يموت الناس في بعض البلدان فإن هناك من يلاحقه لكي يفجر قبره !!

 

جريدة اليوم – 29 نوفمبر 2015م