الجمعة، 25 مارس 2022

الحوار بين أكل العنب، وقتل الناطور

 


 بين أن تدخل في جولة حوارية مع آخر عبر التهديد والوعيد، أو أن تكسبها عبر المحبة والاحسان واللين؛ مسافة هي نفسها المسافة بين قتل الناطور وأكل العنب، فكثير من موضوعات الحوار، وليس كلها بطبيعة الحال، يمكن أن تصل إلى نتائج إيجابية لو تغير أسلوب الحوار أو كانت هناك أجواء من المحبة والود بين أطرافه.

أمَّا عندما يبدأ الحوار بالتشكيك في النوايا والمقاصد، ويتم التفتيش داخل الأفكار وقراءة، لا داعي لها، لما بين السطور، حينها تُتعزَّز الشكوك، وتُبنَى الحواجز، ويتمُّ البحث عن أي خيط واهٍ؛ لكي تُبنَى عليه مواقف سلبية.

لذلك فإن بعض خبراء الحوار ينصحون في بدايته بمحاولة خلق أجواء من التآلف بين أي طرفين قبل بدء الحوار بينهما، وهو ما يسمُّونه في عالم السياسة أيضًا خطوات تعزيز الثقة، قبل بدء المفاوضات.

وجميعنا يتذكر القصة التي ملخصها أن اثنين من العمال اختلفا حول موضوع ما، فما كان من مديرهما إلا أن طلب من أحدهما أن يقوم بتنظيف ومسح جانب من زجاج المكتب، بينما طلب من الآخر تنظيف الجانب الآخر منه.. وبعد مدة من العمل عاد العاملان إلى عملهما السابق، وقد تلاشت المشكلة فيما بينهما، لا لسبب إلا لأنهما كانا ينظران إلى بعضهما البعض أثناء تنظيف الزجاج.

لا يمكن أن تحل المشكلات الفكرية والخلافات السياسية بهذه الطريقة؛ لكنها خطوة تسهم في إذابة الجليد في العلاقات تمهيدًا لما بعدها من حوار.

يقول أحد محترفي الحوار، والذي يستطيع أن يدخل الآخر من كُمٍّ ويخرجه من آخر؛ إنَّ من أفضل وسائل تليين موقف الطرف الآخر هو أن يساق الحوار بطريقة تجعل ذلك الطرف هو نفسه من يقول ما تريده بالضبط، أو قريبًا منه، دون أن تشعره بذلك، أو أن يشعر بخسارته في جولة الحوار.

ويحسن بالمحاور تجنب بعض الإيحاءات السلبية في الحوار مثل استخدام بعض الضمائر مثل ضمير المتكلم مثل: أنا، رأيي، اعتقادي، ونحن، رأينا، اعتقادنا؛ لأنَّ ذلك إمَّا أنه يخلق الحواجز، أو يزيدها بين الطرفين.

ويعد الاستعجال في الوصول إلى نتيجةٍ ما أحد آفات الحوار؛ كون المحاور واقعًا تحت ضغط الوقت مع رغبة في الوصول إلى نشوة الانتصار في الحوار بسبب الرغبة في تحقيق نصر شخصي، أو خلق شعبية في أوساط مجموعته، والحقيقة أن الوصول إلى نتيجة وإقناع طرف ما بفكرة لا ينبغي، بالضرورة، أن يكون هدف المتحاورين، بل إن المطلوب هو تفهم كل طرف وجهة نظر الطرف الآخر من زواياها جميعها، وأن يقبل كل منهما بوجود الآخر مهما كان البَون واسعًا، ما دام أن الخلاف بقي في إطاره الفكري، ولم يتحول إلى تراشق بالتهم وحملات تشويه.

إنَّ استيعاب فكرة أنَّ مسؤولية المحاور تنتهي عند طرح فكرته على الآخر وبذل أقصى الجهود في ذلك، وليس إقناعه بها، تخفِّف مستوى الاحتقان لدى الطرفين وتبقي الودَّ مستمرًّا، ذلك أن المحاور بذلك ينال الثواب من الناحية الدينية، وشرف الدخول في الحوار من الناحية الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق