يوسف أحمد الحسن
عندما يطرح مصطلح حوار الأديان، فإنَّ كلًّا منا
يتبادر إلى ذهنه مفهوم خاص عنه، ربَّما يختلف عن الآخرين، فهناك من يفهمه بأنه
حوار بين جميع الأديان التي يتم التعبد بها اليوم على وجه الأرض، وهناك من يفهمه
بأنه حوار بين ما يسمى الأديان الإبراهيمية وهي الإسلام والمسيحية واليهودية،
وهناك من يراه مجرَّد حوار بين الإسلام والمسيحية، والحقيقة أن هذه كلها يمكن
تسميتها بحوار الأديان، ولكن ما الحوار المطلوب حاليًّا؟
إنَّ الحوار المطلوب هو ذلك الذي يتم بين أتباع
الأديان، ويمس حياتنا اليومية، ويبعث على التعاون، ويسبِّب انعدامه إعاقة لنموِّنا
وتطورنا وديمومة عيشنا المشترك مع عناصر الجنس البشري مهما كانت دياناتهم، ويعد
الحوار مع المسيحيين أسهل وأهم أنواع الحوار؛ كون المسيحية حاليًّا هي أكثر
الأديان انتشارًا في العالم، وكونها الديانة التي تعتنقها أقوى الدول وأكثرها
أهمية وهي الولايات المتحدة والمنظومة الغربية، ويوجد من المصالح والتقاطعات مع
المسيحيين الكثير في العالم، فهم يعيشون بيننا بشكل يومي كمواطنين في بعض الدول
العربية، ومنهم مهاجرون يساهمون في البناء والتنمية في بلادنا من عمالة عادية
وماهرة وخبراء وعلماء وأطباء ومهندسين، إضافة إلى احتكاك المسلمين المهاجرين
الدائم بهم في بلدانهم، وانعدام الحوار معهم، أو من يمثِّلهم قد يجرُّ إلى شكل من
أشكال المواجهة والصراع.
أمَّا الحوار مع اليهود فتكتنفه الكثير من المحاذير،
إمَّا لأسباب دينية وتاريخية، أو بسبب القضية الفلسطينية وارتباط قسم من اليهود
بالمظالم التي وقعت وتقع على إخوتنا الفلسطينيين من قبل اليهود.
ورغم أنَّ اليهود ليسوا نسيجًا واحدًا فيما يتعلق
بفلسطين، حيث إنَّ فيهم من هو ضد إسرائيل الدولة من الناحية العقائدية، ومنهم من
يناصب الصهيونية العداء، ومنهم من يعيش في إسرائيل ولا يوافق على سياساتها كحركات
السلام اليهودية المعروفة، إلا أنَّ النخبة المسلمة لا تزال مترددة في الحوار مع
معتدلي اليهود رغم الشواهد التاريخية العديدة في الحوار معهم، ومن الحركات
اليهودية المعتدلة، في نظرنا والمناهضة للصهيونية، وبالتالي لقيام دولة إسرائيل
حركة (ناطوري كارتا)، أو بالعربية (حراس المدينة) التي تأسست في العام 1935م،
وتدعو لإنهاء سلمي لدولة إسرائيل، بل تتعاطف مع الفلسطينيين ولها مواقف إيجابية
معلنة، كما أن بعض شخصياتهم لم تزر إسرائيل مطلقًا لسبب ديني لديهم، وبعضهم زار غزَّة
من معبر رفح الفلسطيني.
أمَّا الحوار مع الديانات الهندوسية والبوذية،
فيحجم عنها الكثيرون؛ لكونها ديانات غير سماوية، وهذا ما يمكن أن يكون مبرِّرًا
معقولًا لو كان الحوار المطلوب عقائديًّا، لكننا نتحدَّث هنا عن حوار إنساني
يستهدف الاجتماع حول المشترك الإنساني والذي يحقق المصالح العليا للبشرية بعيدًا
عن معتقداتهم ودون التنازل عن مسلماتنا الدينية، كما يعزِّز من حالة العيش المشترك
التي يدعو لها ديننا الحنيف، لذا فإننا نحتاج إلى وعي أكبر وتطبيق أعمق لإدارة
التنوع الديني الذي بات يحيط بنا جميعا أينما ولَّينا وجوهنا، وذلك بحكم سهولة،
وكثافة التنقل بين دول العالم وبسبب انتشار، واختلاط العمالة في أنحاء العالم، وهو
الأمر الذي يتبناه حاليًّا مركز الملك عبد الله لحوار الأديان في النمسا والذي يضم
بين أعضائه إضافة إلى المسلمين والمسيحيين واليهود ممثلين عن الهندوسية والبوذية.
ويعزِّز المركز عبر برامجه المتنوعة التعايش السلمي
بين مختلف المكونات الدينية في العالم بما يكفل سيادة حالة القبول بالآخر الديني
والمذهبي، كما يقيم المركز مجموعة متنوعة من الدورات في مختلف دول العالم تهدف إلى
تدريب أبناء المجتمعات البشرية إلى قبول بعضهم البعض، والتعاون من أجل تعزيز
السلام بعيدًا عن التصنيف الديني الذي يعد خيارًا شخصيًّا للجميع لا يستطيع أحد أن
يسلبه إيَّاه، بينما الحساب الأخروي عند الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق