السبت، 26 مارس 2022

الحوار بالمحبَّة

يوسف أحمد الحسن 

يبحث الناس في بعض المجتمعات عن سبب؛ لكي يحبُّوا الآخرين، بينما لا تحتاج الكراهية لديهم إلى تبرير فهي الأصل والأساس، وقد يعود السبب لديهم إلى أن مفهوم الحب، والحلم، والتسامح، وقبول الآخر، بما هو مرتبط في الذاكرة الأدبية، وأحيانًا التاريخية بالضعف والوهن أو الجبن، بينما ارتبط الحقد والغضب والانتقام بالشجاعة والإقدام.

ورغم وجود عدد كبير من النصوص الدينية والحكم والأقوال المأثورة التي تدعو إلى محبة الآخرين، والإحسان إليهم، وحسن الظن والدفع بالتي هي أحسن، كما ترغب في دعوة الناس إلى اتِّباع الحق دون إكراه، إلا أن هذه المفاهيم غالبًا ما يتم تغييبها لصالح نقيضاتها، ربما خشية الوقوع في محظور المهادنة.

ونتيجة هذا التوجه، فإنَّ ما يتم إبرازه من تراثنا الإسلامي في الحوار والدعوة هو الرغبة في المواجهة والاصطدام بالآخر قبل محاولة كسبه بالأساليب الناعمة، فمن السهل جدًّا اتهام أحد بالخوف أو الجبن، أو الاستسلام؛ بسبب لينه في الحوار مع الآخر، بينما لن يجد من يدافع عنه أو يبرِّر نهجه، وفي المقابل فإنَّ من يتسلح بنبرة عالية وبأسلوب هجومي في حواراته يعد شجاعًا ومقدامًا.

وكمثالٍ، عندما يلاحظ الأب خطأ من ابنه، فإنَّ أمامه خيارين: إمَّا أن يحاول إقناعه بخطئه، وإرشاده إلى الصواب، أو أن يصرخ في وجهه مطالبًا إياه بتصحيح خطئه بدون نقاش، وغالبًا ما يتوجَّه الآباء إلى الخيار الثاني.

فهل يتوجه بعضنا إلى الانفعال أو الصراخ أو استخدام المنحى الاندفاعي؛ لأنه أسهل الطرق للإقناع ولأنه عامل مساعد عليه؟ وكيف نوائم بين هذا المنحى وبين القول المأثور: (لا تغضب أربعين عامًا)، والحديث القائل: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)؟

إن الغضب الناجم عن نقاشات في موضوعات عادية أضحى فاكهة المجالس، بينما نلحظ أنَّ من لديه الحكمة وملكة الإقناع ينحو منحى الحلم واللين والدفع (بالتي هي أحسن).

قد يسكت الغضب البعض، ويخرس آخرين، لكن لا يعني ذلك اقتناعهم بنهج الغاضب، ويبقى أسلوب اللين والإقناع الناعم هو الأفضل والأبقى مهما ظهر نقيضه بأنه أقوى وأبقى، لكنَّ البعض يحب الفوز بالضربة القاضية، بينما طعم الفوز بالنقاط أقل حلاوة.

وختامًا، فلا مناصَ من الحوار الهادئ القائم على الإقناع من أجل سلم اجتماعي دائم، أما الانفعال والصراخ، فلن يؤدي إلى نتيجة إيجابية، وإن أسكتَ الأصوات لمدة قصيرة.

 

(التسامح هو العبير الذي يصبه البنفسج على القدم التي سحقته) «حكيم».

 

(كثيرًا ما نرفض فكرة ما لمجرَّد أنَّ النبرة التي قيلت بها تثير النفور) «فريدريك نيتشه».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق