يوسف أحمد الحسن
يعتقد البعض أن الكون كله متحور حول ذواتهم، تمامًا
كما يعتقد الدِّيك بأنَّ الشمس لا تطلع إلا لكي تسمع صياحه!
تعد هذه الصفة من أبرز صفات ما يسمَّى (النرجسية)
التي تعني افْتِتان المرء بذاته وإِعْجابه بها دون سواها، والرغبة الجامحة في سماع
المديح لها مع عدم الاعتداد بالآخرين أو بآرائهم، يقال إن أصل هذه الكلمة جاءت من
أسطورة يونانية جاء فيها أنَّ شخصًا يدعي (نارسيس) كان بالغ الجمال لدرجة عشق فيها
نفسه عندما رأى انعكاس وجهه الجميل في ماء البحيرة التي كان يجلس إليها كثيرًا،
فأراد يومًا أن يلمس جماله، فسقط في البحيرة وغرق، فظهرت مكان جلوسه وردة سميت النَّرجِس.
وتوجد النرجسية (Narcissistic) في
الناس جميعهم تقريبًا ولكن بدرجات متفاوتة، وتتحوَّل إلى مرض عندما تعتمد المسطرة
التي يقيس بها شخص ما الآخرين على مدى حبهم له وقربهم أو بعدهم عنه أو عن أفكاره،
وعندما تتجسد هذه الحالة في شخص، فإن أقرانه وزملاءه يعانون كثيرًا في التعامل
معه، فكيف إذا أراد الدخول في حوار ممثِّلًا لمجموعة ما، حيث يحصل أحيانًا أن تتمثَّل
النرجسية في شريحة فكرية أو اجتماعية فيما يسمَّى (النرجسية الجماعية)، حين تعتقد
هذه الشريحة أنها شعب الله المختار، وأن جميع ما لديها من فكر هو الحقيقة بعينها،
وأن جميع اجتهاداتها ما هي إلا كالوحي لا يمكن أن تتغير أبدًا ولا يمكن على
الإطلاق التشكيك في أي جزئية أو تفصيل من تفاصيل فكرها، كما أن هذه الشريحة لا
تتقبل أي نقاش، أو حوار حول أي من قناعاتها أبدًا، بل تبادر دومًا إلى إسقاط أفكار،
وقناعات الآخرين دون أن تكلِّف نفسها حتى محاولة الاستماع إلى ما يقال .
وتبدأ النرجسية الجماعية بحالة ثقافية تتمثَّل في
استحسان كل فرد ما يعتقده، وما يمارسه منذ الطفولة، حيث يُلقَّن بأن هذا هو الحق
وما سواه الباطل، ولذلك وبسبب طول المدة التي يقضيها الشخص مع فكرة ما أو طقس أو
ممارسة ما تجعله يألفه ويحبه بشكل متصاعد، ويجد له مع مرور الوقت ما يلزم من إثباتات
تبرر اعتناقه وتمسُّكه به في (لا وعيه)، ولا يعدم أي شخص مبرِّرًا لأيِّ فكرة
يعتنقها مهما كانت تافهة، حتى قيل بأنَّ أيَّ فكرة تستطيع أن تكتبها، فإنك تستطيع
أن تثبتها! ويقال: إن طبيعة الناس أنهم يبحثون انتقائيًّا عن مبررات لصالح أفكارهم،
ويغفلون المبرِّرات النقيضة لها، أو يتغافلون عنها، أو أنهم قد لا يلتفتون إليها.
وتبقى النرجسية في الحوار مقبولة، بل أحيانًا
مطلوبة ما دامت في حدود معقولة، لكنها تصبح داءً فتَّاكًا للحوار عند تضخُّمها، لا
يمكن معه تحقيق أي تقدم إلا بإعادتها إلى حجمها الطبيعي، ولذلك فإنَّه من أهم
أبجديات الحوار الناجح أن يتم نبذ حالة النرجسية الفردية والجماعية؛ ليحلَّ محلها
القول المأثور: (قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب).
·
يتصوَّر الطَّحَّان أنَّ
القمحَ إنَّما ينمو؛ لتشغيل حانوته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق