يوسف أحمد الحسن
من أجلى الأخطاء التي يمكن أن ترتكب في حق الحوار
أي حوار هو التركيز على سلبيات الطرف الآخر ومحاولة مهاجمة عقائده، أو أفكاره، ذلك
أنَّ خطوة كهذه سوف تبني سورًا عاليًا يصعب اجتيازه وسدًّا منيعًا لا يمكن تجاوزه
في مسيرة الحوار، وكما يقال في أهمية وتأثير الانطباع الأول في أي لقاء بين شخصين،
فإنَّ هذا يمكن أن يحصل في لقاءات مختلف الوفود أو الأطراف المختلفة.
لذا فإن الحوار السليم كما يقول الكاتب محمد محفوظ:
(هو الذي لا يتجَّه وبالخصوص في مرحلته الأولى إلى إظهار فضل أي فضاء ثقافي أو
حضاري على الآخر، وإنَّما معرفة الواقع بصرف النظر عن إرادة تغييره.. وهذا يوصل
المتحاورين إلى مستوى إيجابي، من تحييد الموقف الأيديولوجي، وتجاوزه بالمعنى
الفلسفي للكشف عن عناصر الوعي المشتركة، أي الأكثر موضوعية واستيعابًا للجميع،
والتي تسمح لهم جميعًا بالوصول إلى فهم متقارب، إن لم يكن مشتركًا لواقع نعيش فيه
معًا).
ويعد الاكتفاء بالجانب النظري من الحوار دون أن
يتحوَّل إلى واقع عملي من أهم محبطات مواصلة الحوار، فالحوار الذي استمرَّ لعقود
وربَّما قرون وتوارثت مقاليده أجيال، وأجيال ينظر إليه أنه بقي إمَّا حبيس الأدراج،
أو أنه اقتصر على شريحة ضيقة للغاية من النخبة المهتمة بهذا الموضوع، ولم يتبلور
في شكل قوانين وأطر تضع النقاط على الحروف وتوضح لعامة الناس ما ينبغي، وما لا
ينبغي عمله فيما يتعلق بعلاقاتهم بالآخر الديني.
إنَّ وجود هذه القوانين وتفعيلها هو الكفيل الحقيقي
باستنبات مفاهيم وقيم التعايش مع الآخر وقبوله إمَّا تحت سقف الوطن، أو تحت سقف
الإنسانية في هذا الكون الفسيح.
ذلك أنَّ الناس يميلون بشكل عام إلى الاستمرار فيما
هم عليه، واستمرائه، ويقاومون التغيير وإن كان إلى الأفضل، إلا إذا رأوا مصلحة لهم
في ذلك أو دافعًا إليه نظير قوانين تجبرهم على ذلك كما هو الحال في كثير من أمورنا
الحياتية.
ويعد استدعاء الذاكرة التاريخية السلبية بين
الأطراف المتحاورة مشكلة إضافية تضاف إلى المشكلات الأخرى القائمة، حيث يعيش
الطرفان على أنقاض صراع انتهى منذ قرون مثل الحروب التي سمِّيت صليبية، ذلك أنَّ
أيًّا من طرفي النزاع المرير ليس على قيد الحياة حاليًّا.
وأنه ورغم الدماء التي سالت؛ نتيجة هذا الصراع إلا
أنه لا يمكن اتهام جميع المسيحيين بالمسؤولية عنها، بل إن جيوش الحملة الصليبية
عندما وصلوا إلى فلسطين آنذاك، فإنَّ أوَّل من فتكوا به كان مسيحيو الشرق الذي
اتهموهم بالتماهي مع الوجود الإسلامي في بلاد الشام في ذلك الوقت، ونكَّلوا بهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق