يوسف أحمد الحسن
رغم أنَّ كثيرًا من الحروب التي عصفت بالعالم منذ
فجر التاريخ وحتى اليوم كانت ترفع شعارات دينية، إلا أنَّ قليلًا منها دينية بالفعل،
لكن السياسيين كانوا يستخدمونها كأداة محرِّضة ومحرِّكة للشعوب من أجل كسب التأييد
الشعبي وزيادة أعداد المنخرطين في الحروب، ولطالما نجح هذا الأسلوب في هدفه على مر
العصور مساهما في إراقة الدماء وقتل الأبرياء وخراب البلدان باسم الدين والدين منه
براء.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م ظهر
الرئيس الأميركي (بوش الابن) في تصريح صحفي تحدَّث فيه عن حروبه القادمة بالقول:
(هذه الحملة الصليبية... هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت)، وقد أثار
هذا التصريح حفيظة واستياء المسلمين في داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ كونه
يستدعي التاريخ القديم بكل ما يحمله من معارك ودماء وقتل وتشريد وتخريب وانتهاك
للحرمات في حملات عسكرية استمرت قرنين، يستدعي كل ذلك في حربه ضد أفغانستان،
وتسببت هذه العبارة، مع أمور أخرى في تخويف الأمريكيين المسلمين الذين بادروا إلى
إغلاق مدارسهم ومؤسساتهم وامتنع بعضهم لفترة ما، عن ركوب الطائرات والقطارات وحتى
عن الخروج إلى الشوارع؛ كون التصريح صادرًا عن أعلى سلطة سياسية في الولايات
المتحدة، وقد أصدر البيت الأبيض لاحقًا بيانًا عد فيه أن ما قاله الرئيس (بوش) كان
زلة لسان، وأن الرئيس يشعر بالأسف لاستخدامه هذا التعبير، كما تم تبرير التصريح
بأنَّ المقصود منه ليس الجانب الديني، بل السياسي للحملات الصليبية، وهو يعني طول
مدة الحرب على الإرهاب، وليس طبيعتها.
لكن الأمر تكرر من قبل شخصيات أخرى، كان منها وزير
خارجيته، ثم فريق حملته الانتخابية (بوش- تشيني) في العام 2004م، وذلك للحصول على
مزيد من التمويل الانتخابي من المتشددين تجاه المسلمين في الولايات المتحدة.
وقد فسَّر البعض عبارة الرئيس (بوش) بأنها ليست مجرَّد
زلة لسان، فإن لم تكن متعمَّدة، فإنه في الواقع عكس ما يدور داخل كواليس الاجتماعات
الرئاسية، بينما فسر آخرون، يحاولون ترجيح كفة الحوار والتصالح على القطيعة
والمواجهة، ما قيل بأنَّه مجرَّد التباس في فهم مدلولات كلمة حرب صليبية، عند
المسيحيين الغربيين والمسلمين، حيث إنَّ الكلمة رغم أنها تدل على حروب ضارية
استمرت لمائتي عام تضمَّنت حملات متعددة أزهقت فيها الأرواح، إلا أنَّ المجتمع
الغربي ينظر إليها بشكل إيجابي؛ نتيجة الضخ الإعلامي طويل المدى حول هذا التعبير،
وما تم إنتاجه من أفلام حول الحملات صورتها بأنها فعل إيجابي يتضمن معاني النبل
والبطولة ( ... )، بل إنَّ بعض القواميس تعرف المقابل الإنجليزي للحملات الصليبية
(crusade) بأنَّها
أي عمل نشط يصبو إلى هدف نبيل، ويعزِّز هؤلاء فكرتهم بأن الجنرال (دوايت أيزنهاور)،
والذي أصبح رئيسًا للولايات المتحدة فيما بعد، وصف الإنزال البحري في (النورماندي)
6 يونيو 1944م، والذي أدَّى لاحقًا إلى هزيمة ألمانيا ونهاية الحرب العالمية
الثانية، بأنه حرب صليبية رغم أن الطرف الآخر العدو لم يكن مسلمًا، بل كان ألمانيا
النازية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق