السبت، 26 مارس 2022

عواصف تهزُّ الحوار (1)

يوسف أحمد الحسن 

مرَّت العلاقات بين أتباع الإسلام والمسيحية بفترات عصيبة على مدى القرون الماضية لم تكن أسوأها فترة الحملات الصليبية، على أساس ديني، وإن حملت شعار الصليب؛ ذلك أن قادة ومحرِّضو هذه الحملات كانوا يرغبون في الحصول على أسهل دعم شعبي لحملاتهم وهو الدين، وقد كان لهم ذلك، وكانت قد مرت فترة بقيت فيها الجيوش الأوربية دون حروب؛ ممَّا حوَّل كثيرًا من العسكريين آنذاك إلى مجرمين وقطاع طرق انتشروا في طول أوربا وعرضها، وبدأُوا بالتقاتل فيما بينهم، فتمَّ حينها طرح تحرير الأرض المقدسة، كبيت المقدس.

أمَّا عن العلاقات بين أتباع الديانتين، فلم تكن على خير ما يرام لأسباب لم يكن الساسة، وتدخلاتهم أقلَّها أهمية، ومن أهم المحطات السلبية الحديثة في تاريخ العلاقة بين أتباع الديانتين هو محاضرة لبابا الفاتيكان (بنديكت) السادس عشر في جامعة (ريجنـزبورج) بألمانيا في 12/9/2006م، عد فيها الإسلام دينًا قام على حدِّ السيف، ويشجع الإرهاب، وأنَّ العنف ونشر الدعوة بحد السيف يكمن في بنية وأسس العقيدة الإسلامية، وأنَّ (الإسلام لم يأتِ إلا بما هو شرير وغير إنساني!)، وأورد في محاضرته التي كانت عن العلاقة بين الإيمان والمنطق وأهمية الحوار بين الثقافات والأديان، كلامًا قاسيًا يخجل المسلم من ذكره بحق النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- الذي استطاع بخلقه العظيم أن يجذب قلوب حتى مبغضيه، وقال البابا إنه قرأ حوارًا جرى في أنقرة العام 1391م، بين الإمبراطور البيزنطي (مانويل الثاني باليلولوجس)، ومثقَّف فارسي عن المسيحية، والإسلام حيث أورد مقاطع منه في محاضرته.

وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة المسلمين في أنحاء العالم على الصعيدين الشعبي والرسمي، وعُدَّت بمثابة شرعنة وغطاء سياسي لما حصل ويحصل من أحداث سياسية وعسكرية لاحقة قامت بها بعض الدول، خاصة أنها جاءت بعد حوالي العامين من تصريحات للرئيس الأميركي (بوش الابن) الذي قال: إنَّ حربه على الإرهاب هي حرب صليبية، وبعد ردود الفعل هذه أعلن متحدث باسم الفاتيكان بأنَّ البابا لم يقصد الإساءة للإسلام، وأنه يحترم الإسلام، لكنه حريص على رفض استخدام الدافع الديني مبررًا للعنف، وقال وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور (دومينيك مامبرتي): إنَّ مسألة الحوار بين الثقافات والديانات هي من المسائل الاساسية في هذا الزمن، بينما قال الأب (فيديريكو لومباردى) في تصريح رسمي: (إنَّ البابا يريد أن ينمِّي شعور الاحترام والحوار حيال الديانات والثقافات الأخرى، وبطبيعة الحال الإسلام).. بعدها أعرب بابا الفاتيكان (بنديكت) السادس عشر عن أسفه الشديد؛ لأن تصريحاته حول الإسلام أسيء فهمها، مضيفًا: إنه آسف؛ لكون تصريحاته أولت بشكل يوحي أنه يسيء للإسلام.

لكنَّ أثرَ هذه التصريحات بقي حتى استقال البابا (بنديكت) في العام 2013م، وتم تنصيب البابا (فرانسيس) مكانه، حيث قام ببعض التصريحات الإيجابية تجاه الإسلام كما قام ببعض المبادرات الرمزية منها قيامه بغسل قدمَيْ فتاة مسلمة ثم تقبيلهما، وفي وقت لاحق قام بغسل قدمَيْ مسلم ليبي معاق، ثمَّ تقبيلهما، حيث تم تفسير ذلك بأنَّ البابا يتخذ من طقس غسل الأرجل وسيلة للتعبير عن قبوله للآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق