السبت، 26 مارس 2022

لماذا الحوار؟

يوسف أحمد الحسن 

عندما يتم طرح فكرة الحوار مع الآخر الديني أو المذهبي فإن أول ما يطرحه البعض حول هذا الموضوع هو لماذا الحوار؟ وهل نحن بحاجة إليه؟

الحقيقة أن أهم موقع للحوار في وقتنا هذا هو الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى، ذلك أن كل مكون ديني أو مذهبي يتضمَّن بالضرورة جانبين الأول جانب خاص يميزها عن غيرها، والآخر عام تشترك فيه مع المكونات الأخرى؛ ولذلك فلأنَّ الاختلاف أمر طبيعي فإنَّ الحوار يصبح مطلوبًا جدًّا، وحافزًا للتكامل، وحائلًا دون تراكم الضغائن والأحقاد بين مختلف الأطراف، وليس للافتراق والخلاف الذي يعني فيما يعنيه احترابًا، وبالتالي إضعافًا لإنجازات المجتمع على مدى سنوات وعقود؛ ذلك لأنَّ الحوار في جوهره يعمِّق المشتركات بين مختلف المكونات الحضارية والثقافية.

لذلك ومن حيث المبدأ، فإنَّه يجب النظر إلى التمايزات الحضارية على أنها أمر إيجابي وبناء، بل يساهم في تعزيز الروح الإبداعية لدى أي إقليم ومنطقة؛ ولأنَّ ديننا يشجع دائمًا على هذه الحالة عبر نصوصه.

إذن فالحوار يجري أولًا للاعتراف بالتمايز الحضاري بين مختلف المكونات، بل وتعزيزها لما لذلك بالضرورة من أثر إيجابي كبير في تفتق الروح الإبداعية، والروح الجمالية لديها، ويزيد من حالة التنوع الفسيفسائي في المجتمع الكبير، وتحافظ على النسق الاجتماعي فيها.

وثانيًا للتأكيد على جميع الجوانب المشتركة في المكون الكبير من أجل تعزيزها وتضخيمها؛ كونها الحبل السري الذي يربط الجميع بالأم الحاضنة لهم وهي الأوطان والذي بدونها ينقطع كل اتصال بين الجانبين ويدقُّ إسفينا بينهما، ولا مناصَ حينها من بروز النتوءات المقزِّزة والتي لا تفضي إلا إلى التشظِّي والتباعد والانقسامات، أو أنَّها قد تتمظهر بأشكال غير قانونية من التشكلات الحزبية المناوئة للنسق الوطني العام الذي يضم الجميع.

وثالثًا محاولة إذابة ما قد يكون قد تشكل من جليد بين مختلف المكونات الداخلية عبر العقود أو القرون الطويلة، وعبر تاريخ قد يكون مضمَّخًا إمَّا بالدماء والحروب، كما هو حال الحروب الصليبية بين المسلمين وبعض المسيحيين، أو بالأحداث التاريخية الساخنة أو الزوايا الحادة، كما حصل ويحصل بين مختلف المذاهب عبر الحقب التاريخية المتلاحقة.

ولذلك، وانطلاقًا من هذه الدوافع، فإنَّ الحوار الذي يجري على هذه الأرضية لا يمكن إلا أن يكون صلبًا وعنيدًا وعصيًّا على الفشل؛ كونه أيضًا يقوم على حل جميع المختلف عليه عبر أسلوب تدوير الزوايا والابتعاد عن الزوايا الحادة، وتغليب المصلحة العليا التي تجمع جميع الأطراف في بوتقة واحدة، ولذلك فإنَّ أغلب الحوارات التي انتهجت هذا الأسلوب لم تصل إلا إلى بر الأمان الذي يجعل الجميع مركزًا على الهم العام المتجه بالضرورة إلى التنمية المستدامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق