تقول إحدى الدراسات: إن الفرد العادي يستمع إلى ما
يوازي كتابًا كل يوم، ويتحدَّث ما يوازي كتابًا كل أسبوع، ويقرأ ما يوازي كتابًا
كل شهر، ويكتب ما يوازي كتابًا كل عام، وهي دراسة تعطي دلالة واضحة على الحجم الذي
يشغله الاستماع في حياة كل فرد منا.
لكنَّ عملية الحوار ليست مجرَّد جلوس طرفين
والاستماع إلى بعضهما البعض، فقد يتحدَّث أحدهما كثيرًا؛ لكنه لا يقول شيئًا، وقد
يكون صمت أحدهما أبلغ من أي حديث، وقد يدور حوار بين طرفين يسمعان لبعضهما البعض؛
لكن دون استماع، فالاستماع يمر بأربع مراحل: السماع، والانتباه، والفهم،
والاستجابة.
فالسماع هو مجرَّد وصول الصوت إلى الأذنين حيث تصل
إليهما آلاف الأصوات كل يوم بما قد يعادل آلاف صفحات الكتب، وأشرطة التسجيل؛ لكنَّ
الشخص لا يعيرها أيَّ اهتمام، ولا يركِّز ذهنه حولها، فهي تصل إلى الأذنين دون
استئذان.
أمَّا الانتباه فهو عملية نفسية تعني تحويل الذهن
إلى مصدر الصوت في محاولة لالتقاطه تمهيدًا لفهمه، ويعني الفهم التركيز على الصوت
وكلماته وجمله من أجل الوصول إلى معانيه، وتأتي المرحلة الرابعة وهي الاستجابة
والتي تعني التفاعل مع المسموع بأي وسيلة من تعابير الوجه، وحركات العينين،
والتجاوب مع الحديث، والرد على التساؤلات.
ولا تكتمل عملية الحوار بدون المرحلة الرابعة حيث
الابتعاد عنها يعني أن المتحاور قد ذهب إلى ما أسميناه سابقًا حوار الطرشان؛ كونه
يسمع، وينتبه، ويفهم؛ لكنه لا يستجيب إلى ما يسمعه، ولا يجيب عن أسئلة الآخر، بل
يريد أن يُسمعه ما لديه فحسب إمَّا ضعفًا منه، أو عجزًا عن الرد، أو هربًا من
استحقاق محتمل نتيجة هذه الاستجابة.
كما أن الخوف من الفشل أمام جمهوره قد يكون سببًا
للتهرب من مسار معيَّن للحوار، لذا تعد الرغبة في الانتصار من أسوأ الأدواء؛ لأنها
تحجب السمع والبصر، كما تحجب أي قدرة على استيعاب ما يقوله الآخر فضلًا عن تقبله،
فيتم حينها تكرار مناقشة ما تمت مناقشته والاتفاق عليه، ويتم تعريف المعرف والحديث
عن البدهيَّات، وهو ما يعني أن الحوار يدور في حلقة مفرغة، ولذلك فإنه ينصح في
عملية الحوار بالاتفاق في بدايته على المشتركات والمسلمات بين الطرفين، كما ينصح
بتدوين ما يصل إليه الطرفين في كل مرحلة من مراحله.
ولا تقلل أهمية عامل الاستجابة من أهمية العوامل
الثلاث السابقة له، ففهم ما يعنيه الآخر مهم لإكمال الحوار والبناء عليه، وكذلك
الأمر مع السماع والانتباه.
إن تجدْ حُسنًا، فخذْه،
واطَّرحْ ما ليسَ حُسنَا |
إنَّ بعضَ القَولِ فَنٌّ،
فاجعلِ الإصغاءَ فنَّا |
تَكُ كالحَقلِ يَردُّ
الكَيلَ للزُّرَّاع طنَّا |
رُبَّ غَيمٍ صار، لمَّا
لمستْه الرِّيحُ، مُزنَا! |
«إيليا أبو ماضي» |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق