الجمعة، 25 مارس 2022

حوار الأديان (1)

يوسف أحمد الحسن 

حالما يتم طرح قضية حوار الأديان يتم التشكيك فيها من قبل البعض وتربط مباشرة بنظرية المؤامرة، أو أنها محاولة لإيقاف المد الإسلامي وتمهيدًا للتبشير بالديانات الأخرى، كما يطرح البعض أنَّ حوار الأديان يقتضي أن يعترف المسلمون بشرعية الديانات الأخرى أو أحقِّيَّتها، أو حتى التنازل عن بعض الثوابت الإسلامية من أجل إرضاء أصحاب الديانات الأخرى.

ويشكك البعض في هذا النوع من الحوار؛ لكونه محاولة من سياسيي الدول العظمى للسيطرة على بلاد المسلمين، وإخضاعهم من باب الحوار، بينما يقول آخرون: إن الحوار ما هو إلا مداهنة لأعداء الله وموالاة لأعدائه لا ينبغي أن يسلكها المسلمون مهما تم إضفاء المزايا والإيجابيات عليها.

ومع استبعادنا لهذه المخاوف أو استبعاد بعضها على الأقل، إلا أنه حتى لو كانت هذه الأمور حقيقية، فلا ينبغي أن نهرب من ميدان الحوار أبدًا، بل ينبغي أن نكون على الدوام دعاة له ومؤيدين لأي دعوة له، وذلك لعدة أسباب ليس أقلها أهمية أن المسلمين ليسوا بهذا المستوى من الخواء الفكري والإيديولوجي بحيث يخشون من الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى، وأنَّ لدى ديننا الحنيف من القوة والصلابة ما يستطيع به أن يصمد أمام الآخرين في أي حوار ومع أيٍّ كان!

وإذا كان وضع الأمة الإسلامية السياسي ضعيفًا، وكان هناك تراجع في الواقع الإسلامي الراهن، فلا ينبغي أن يعني ذلك ضعف الدين نفسه والذي نعتقد بأحقيته، ولا نشكك في امتلاكه لمقومات البقاء كافة والصمود في وجه الأعاصير الفكرية والسياسية، ولذلك فإنَّ مجرَّد رفض الحوار يعطي رسالة خاطئة للآخرين بأننا ضعفاء، أو أننا نخشى من مقارعة الفكر بالفكر.

إنَّ مفكري المسلمين وقادتهم يستطيعون أن يحاوروا أصحاب الديانات الأخرى حتى لسنوات، ويبقوا متمسكين بجميع ثوابتهم الفكرية ودون أن يتخلوا عن واحد منها، وما صمود الدين الإسلامي لهذه القرون وتزايد أعداد المسلمين في أنحاء العالم مع مرور الزمن إلا دليل على قدرة فكرنا على إدارة قوية للحوار مع الآخر.

ولنا في رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- أسوة حسنة حيث كان يحاور يهود المدينة مثلًا، رغم علمه بنياتهم السيئة بل بخيانتهم لمعاهدات وقَّعوها مع المسلمين.

كل هذا فضلًا عن أنَّ الحوار مع الآخر لن يتطرق إلى تحول المسلمين إلى مسيحيين مثلًا، أو العكس، بل هو حوار يهدف فيما يهدف إلى نزع فتيل نقاط الاشتباك في المفاهيم الملتبسة لدى كل طرف تجاه الطرف الآخر، وهو ما يتسبب في التوترات الدينية والسياسية في أنحاء العالم.

وهناك في الحقيقة الكثير من هذه النقاط التي لا تتواءم مع حقائق الأمور على أرض الواقع، ولو تفهَّم كل طرف بعض النقاط عن الآخر لما حصل اشتباك فكري، أو سياسي ولربما تمت تهدئة الكثير من بؤر الصراع في العالم والتي تقوم على أساس ديني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق