الجمعة، 25 مارس 2022

المنتديات الثقافيَّة، والحوار

يوسف أحمد الحسن 

لكي تتحقَّق الأهداف الكبرى للحوار، فلا يكفي أن يعقد على مستوى الشرائح الكبرى فقط وفي موسم ووقت محددين كل عام، كما هو حاصل حاليًّا في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والذي لا يمكن أن نعدَّه إلا إيجابيًّا دون شك.

فقد ساهم هذا المركز، ومنذ تأسيسه، في خلق مناخ إيجابي خلَّاق يدعم الحوار ويؤسس لتحويله إلى حالة عامة في المجتمع، لكنَّ هذا النوع من الحوار لا يكفي وحده، بل يجب أن يكون متواصلًا ومستمرًّا في المجتمع وعلى مختلف الصعد والمستويات.

صحيح أنَّ الحوار على أعلى المستويات يضمن إلى حد كبير الشرائح الاجتماعية الأدنى، لكن وجود الحوار واستمراره بين مختلف المستويات يؤسس لأرضيَّة صلبة من التجانس والتقارب والانسجام على الصعيد الاجتماعي لا تؤثر فيها أي عواصف سياسية أو اجتماعية في المستقبل.

ومن أهم مستويات الحوار بين أبناء الوطن هو حوار النخب، والمقصود بالنخب هنا، النخب الاجتماعية والثقافية والدينية في كل منطقة ومدينة، والنخبة هم المختارون من أي طبقة والذين يمتلكون أفضل المؤهلات من تلك الطبقة. 

فالنخبة الاجتماعية هم أعلى طبقة في المجتمع قادرة على تشكيل وتوجيه الرأي العام فيه، والنخبة الثقافية هم المفكرون والكتاب والشعراء الأكثر تأثيرًا، أما النخبة الدينية فهي تتمثل في كبار علماء الدين في أي بقعة جغرافية.

والمنتديات الثقافية، أو ما يسميها البعض صالونات، والتي تعد من أهم أدوات نشر الثقافة والفكر والوعي المجتمعي، هي واحدة من أهم روافد حوار النخب، ذلك أنَّ هذه المنتديات التي إن انتشرت وتوزعت في مختلف المدن والمناطق فإنها قادرة على سد منافذ التطرف والإقصاء والتفرد بالرأي، وفتح أكبر المنافذ المؤدية للانفتاح والقبول بالآخر، وقد تتفوَّق هذه المنتديات حتى على بعض المنافذ الرسمية للحوار بحكم التوسُّع (الزَّمكاني)، وإتاحة المجال لشرائح اجتماعية أوسع للمشاركة فيها دون غربلة وفي الغالب دون شروط، كما أنَّ ابتعادها عن الأضواء الإعلامية يجعل منها نافذة واسعة للحوار الموضوعي البعيد عن المماحكة والجدل العقيم الذي يفرضه ضغط الشارع على المتحاورين ومحاولتهم إرضاءه.

ويعد بُعد المنتديات عن أجواء البيروقراطية من أهم مميزاتها؛ كون برامجها الحوارية تعتمد على روح المبادرة السريعة من قبل عناصر متطوعة في الغالب دفعها حب الفكر والثقافة وأجواء الحوار المنفتح وتقبل الآخر مهما كان، وهو ما يجعلها الوعاء المناسب لنمو التقارب والتآلف بين مختلف فئات ومكونات المجتمع الصغير المحيط بها.

بقي أن تقوم مؤسسات الدولة بدعم هذه الكيانات المدنية والعاملين فيها، والذين لا تكفي المؤسسات الرسمية لاستيعابهم، وتشجيع تكاثرها باعتبارها مساندًا ناعمًا للأهداف التي قام من أجلها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق