السبت، 26 مارس 2022

التعايش بين الانصهار، وصحن السلطة (1)

يوسف أحمد الحسن 

تعد التجربة الأمريكية في التعايش من التجارب التي تستحق التأمل والبحث؛ بسبب ما رافقها من مراحل تراوحت ما بين القتل والدموية إلى الاعتراف بتنوع الأطياف والأعراق والخصوصيات.

وبدأت الولايات المتحدة وهي الدولة الحديثة في مفهوم التاريخ، بتثبيت أقدامها على الأرض الجديدة بمحاولة إخراج سكان البلاد الأصليين منها (الهنود الحمر)، أو تذويبهم في الثقافة الأمريكية الجديدة أو قتلهم، فالبلاد التي وصلها البحَّار (كريستوفر كولومبوس) في العام 1492م، ظنَّ في البداية أنها الهند ومات قبل أن يكتشف الحقيقة، كانت تسكنها مجموعات بشرية انعزلت عن العالم، وبقيت متخلِّفة عن ركب التطور العالمي بعادات وتقاليد قديمة، وقد بدأ يهاجر إليها أعداد كبيرة من الأوربيين ومن مناطق أخرى في العالم أعجبتهم هذه القارة بما تحويه من أرض شاسعة ومناخ معتدل وثروات كبيرة،  وبعد أن استوطنوها توهَّموا بأن الأرض تضيق بهم، فقاموا بتهجير أعداد كبيرة من سكانها الأصليين من مناطقهم إلى مناطق أخرى رافق ذلك كثير من الضغط وقليل من الإغراء المالي، ومن يرفض كان مصيره القتل المباشر أو غير المباشر.. بعدها قاموا بانتهاج أسلوب سمِّي (وعاء الانصهار) (The melting pot) الذي يعني تذويب جميع الأعراق والأديان والمذاهب والجنسيات المختلفة في ثقافة واحدة هي الثقافة الأمريكية بحيث يكون ذلك مزيجًا متجانسًا بعد التخلي عن خصوصياتهم، وقد أباد الأمريكان ملايين الهنود الحمر في حملتهم هذه، وفي رغبتهم في الاستيلاء على أراض جديدة، متفوِّقين عليهم بأسلحتهم النوعية، بينما قاموا بعزل البقية في مناطق محددة، واضعين خطة طويلة الأمد لتلقين أطفالهم الثقافة الأمريكية الجديدة بهدف إذابتهم وصهرهم في المجتمع الأمريكي الجديد، كما قام الأمريكان باستخدام أسلوب الاستيعاب هذا مع المهاجرين الأجانب الذين كانوا يفدون إليها باستمرار من مختلف قارات العالم؛ رغبة في حياة أفضل.

وقد استخدم تعبير (وعاء الانصهار) في الولايات المتحدة على نطاق واسع جدًّا، وتمَّ التسويق له بشكل كبير من أجل تشجيع جميع مهاجري الولايات المتحدة على الذوبان في ثقافة واحدة لا مكان فيها للخصوصيات الأخرى دينية كانت أو عرقية أو مذهبية إلا في نطاق ضيق جدًّا.

ورغم أن تطبيق فكرة (وعاء الانصهار) بدأ في القرن الثامن عشر الميلادي إلا أنَّ ما زاد من شعبية المصطلح وانتشاره عمل مسرحية بهذا الاسم في واشنطن في العام 1908م من قبل كاتب بريطاني صور فيها حياة مهاجر يهودي من أصل روسي نجا من حملة إبادة وقعت في بلاده، ويدعو في المسرحية التي امتدحها الرئيس الأمريكي (روزفلت) إلى الذوبان في المجتمع الجديد.

وقد تبين للشعب الأمريكي لاحقًا أنَّ صهر جميع الثقافات وتحويلها إلى ثقافة واحدة أمر صعب، وربَّما زاد من تمسُّك كل مجموعة عرقية أو دينية بعاداتها وتقاليدها أو بدينها، وحتى لو كان ذلك ممكنًا، فإنه غير مستحسن من الناحية الإنسانية، حيث توجَّهوا بعدها إلى نظرية أخرى تسمَّى وعاء، أو صحن السلطة (Salad Bowl The)، تقضي بأن يختلط الشعب الأمريكي معًا على أن يبقى لكل عرق أو ديانة أو جنسية تمايزه الخاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق