الجمعة، 25 مارس 2022

الحوار.. ضع نفسك في مكاني!

 


 لأنَّ الحوار وسيلة من وسائل التواصل بين الناس يتعاونون عبره للاقتراب من الحقيقة نسبيًّا، فإنه يعد مطلبًا إنسانيًّا ملحًّا؛ لكي يكتشف كل طرف ما خفي منها على الآخر، وعندما نتحدَّث عن الحوار، فإنَّ البعض قد يتصوره محاولة لإقناع طرف لطرف آخر بوجهة نظره، وهو الأمر الذي لا يفترض أن يسلكه المتحاورون.

إنَّ مجرَّد الاقتناع بحصول الحوار والاستمرار فيه هو مكسب بحد ذاته؛ كونه أوَّلًا يشبع حاجة الإنسان للاندماج مع محيطه، وثانيًا لأنَّه أسلوب حضاري لاكتشاف جوانب أخرى من موضوع الحوار قد تكون غائبة عن طرف ما، وثالثًا لكونه إن لم يؤدِّ إلى اتِّفاق الآراء، فإنه قد يؤدي إلى تدوير الزوايا، أو إلى تأليف القلوب، وتفهُّم كل طرف أسباب اعتناقه، ومبرِّراته لفكرة ما، كحدٍّ أدنى.

دخلت شخصيًّا في تجربة حوارية جميلة بين طرفين فكريين في برنامج تدريبي كان الهدف منه محاولة تفهم سبب اعتناق كل طرف لفكرته، وكان الأسلوب المتبع فيها رائعًا للغاية، فقد كان يطلب في البداية من كل طرف أن يعرض وجهة نظره بالتفصيل، ثمَّ بعد ذلك يطلب من كل طرف أن يعتنق مؤقَّتًا فكرة الطرف الآخر، ويحاول أن يحشد لها كل الأفكار التي تسندها، وتجهيز ردود مناسبة على الشبهات التي قد تساق ضدها ويسجل كل ذلك في أوراق.. بعدها يبدأ الحوار، فيقوم كل طرف بالدفاع عن الفكرة المضادة لفكرته، والتي لم يقتنع بها أبدًا، ويحاول سوق الأدلة والبراهين على صحتها، كما يرد على أي محاولة لإثبات خطئها، وفي الوقت نفسه، فإنَّ هذا الطرف نفسه يقوم بطرح نقاط الضعف في الفكرة الأخرى التي هي في الحقيقة فكرته، ويحاول إثبات خطئها بكل ما لديه من قدرة، ومن الناحية الأخرى فإن الطرف الآخر يقوم بعكس ما قام به الطرف الأول.

وقد لاحظت عند بدء الحوار أن كل طرف يعيش مؤقَّتًا في حالة من التناقض الداخلي بين قناعاته وما يحاول الدفاع عنه، إلا أنه يطلب منه الاستمرار في الحوار وعدم قطعه ويحاول إثبات وجهة النظر التي تقمَّصها مؤقَّتًا.. بعدها يلاحظ المشاركون تولد حالة من الحماس والتفاعل من الطرفين في التجربة.

لكنَّ الأهم مما يجري في الحوار كله بعد انتهائه هو ما يحصل لدى الطرفين من حالة الصفاء الداخلي والتفهُّم الكبير من قبل كل طرف للطرف الآخر والانسجام بينهما حتى وإن لم يقتنع أحدهما بفكرة الآخر.

إنَّ هذه التجربة لو حاول كل شخص أن يطبقها بينه وبين الآخرين حتى لو بدأها دون أن يخبر الآخرين بذلك، فإنه سوف يعيش جوًّا آخر من التفهُّم لوجهة نظر الآخر، وسوف يقلُّ مستوى التوتُّر، والشحن الداخلي لديه، ربَّما حتى دون أن يقتنع بأفكار الطرف الآخر.

 

(من المستحيل هزيمة رجلٍ جاهلٍ في نقاش) «وليام ماكدو».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق