يوسف أحمد الحسن
انتشر استخدام وسائل التواصل بشكل متصاعد في جميع
الدول العربية في السنوات الأخيرة، ومنها المملكة التي يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت
أكثر من (21) مليونًا، ويوجد لدى (94 %) منهم حساب واحد على الأقل في شبكات
التواصل الاجتماعي، ورغم الإيجابيات الكثيرة لوسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز
وتكثيف الحوار، إلا أنَّ لها سلبيات كثيرة جدًّا استطاعت أن تغطي على الإيجابيات
في بعض البلدان، ولم تستطع في أخرى، ومع أنَّ (الإنترنت) ووسائل التواصل زادت من
فرص التواصل وبالتالي الحوار، إلا أنها زادت من وتيرة التشدد لدى بعض المجتمعات
وربما تكون المكبوتة منها، أو تلك التي يطغى عليها طابع الرأي الواحد ورفض الآخر.
ويعود السبب في ذلك إلى مساهمة هذه الوسائل في
زيادة التواصل بين المختلفين وتنافسهم لاستقطاب المؤيدين افتراضيًّا، وبالتالي
اصطدامهم ببعض.
ويمكن اعتبار وسائل التواصل بمثابة إعلام الضعفاء،
حيث يتم عبرها كسر احتكار الإعلام الذي كان مقتصرًا على الحكومات والأقوياء إلى
آحاد الناس، ولذلك فقد ساهمت في الإخلال بموازين القوى الاجتماعية، حيث ساعدت على
تقوية الضعفاء وإضعاف الأقوياء والذي أدى بدوره إلى فقدان بعض الأقوياء صوابهم
وتصعيدهم الهجوم على الضعفاء؛ لأنهم سلبوهم نقاط قوتهم.
لكنَّ أكبر سلبية للحوار هو إمكانية التخفِّي خلف
الأسماء المستعارة من أجل التفلُّت من أي ضوابط أخلاقية في الحوار، فاستغلها البعض
لكيل التهم والسباب والشتم للطرف الآخر؛ كونهم غير معروفين، وفي هذه الوسائل تظهر
الشخصيات الحقيقية للناس، وأقرب مثال لها هو الخربشات التي كان البعض يكتبها سابقًا
على جدران المدينة، أو في دورات المياه حيث أقبح الألفاظ، وأسوأ الرسومات دون أن
يتعرف عليهم أحد، وتضج وسائل التواصل بأنواع السباب بين مختلف الأطراف بأسماء
حقيقية تارة وبمستعارة أخرى.
وغني عن الذكر القول بأن من ينتهج هذا الطريق، إمَّا
أنَّه مفلس فكريًّا أو ثقافيًّا، أو أن الفكر الذي يمثله مفلس، ولا يمتلك مقومات
الصمود في وجه الحوار الهادئ، أو أنه مفتقر إلى منطق الرد، ويقال بأن الإنسان يكون
في العادة أكثر خجلًا من المواجهة حينما ينظر في عيني محاوره، بينما يزداد جرأة
إذا تحدث عبر الهاتف أو عبر رسالة عادية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك
فإن هناك توجهًا عامًّا في تدني لغة الحوار المجتمعي عندما يجري عبر وسائل التواصل
الاجتماعي، والأسوأ من الأسماء المستعارة تقمص أشخاص لشخصيات أخرى والتحدُّث
باسمها وهو أمر ممكن فنيًّا في وسائل التواصل، ورغم أنَّ بعض برامج وسائل التواصل
تحاول مكافحة هذا الأسلوب إلا أنه لا يزال موجودًا ويعاني منه كبار الشخصيات أكثر
من غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق