الجمعة، 25 مارس 2022

فاطمة، والحوار

يوسف أحمد الحسن 

لم تكن طباع فاطمة ذات الخمسة عشر ربيعًا كطباع أخواتها الثلاث الأكبر منها سنًّا في طريقة تعاملها مع المعلومة، فهي عندما تسمع عن معلومة من أمها لا تأخذ بها كواحدة من المسلمات، بل تسرع إلى غرفتها وتفتح (آيبادها) على (اليوتيوب)، وتتأكَّد، ثم تعود وتناقش أمها فيها موافقة أو معارضة، ورغم وجود إعاقة جزئية لدى فاطمة، وهي ابنة أختي، إلا أن ذلك لم يمنعها من الولوج إلى أي معلومة أو فكرة ومناقشتها مع أي شخص بما في ذلك معلماتها في المدرسة.

إن التطورات الحديثة ودخول وسائل التواصل الاجتماعي في معادلة التربية تفرض علينا أن نربِّي أبناءنا على الحوار منذ الصغر حتى نستطيع بالحوار نفسه أن نستمرَّ في تربيتهم بشكل سليم، ذلك أن الآباء فقدوا الكثير من البريق الذي كان يميزهم سابقًا من ناحية المعلومات بوجود الانفتاح المعلوماتي الجديد، وقدرة أي طفل عبر (النت) أن يتأكَّد من أي معلومة، أو فكرة يتم طرحها له.

ولكي يتعلم أبناؤنا معنى الحوار ينبغي أوّلًا أن يتعلموا ذلك اقتداء بآبائهم، ذلك أن الأبناء في السن المبكرة يقلدون ما يرونه منهم الحسن منه، والسيِّئ، لا ما يسمعونه أو يدرسونه، لذا فإن على الآباء أن يكونوا حذرين للغاية أمام أبنائهم في تصرفاتهم، وأنماط حوارهم مع الآخرين؛ لأنَّهم بذلك يساهمون في تشكيل الطريقة التي يتحاور بها أبناؤهم.

مشى الطاووسُ يومًا باختيالٍ

 

فقلَّدَ شكلَ مشيتِهِ بَنُوهُ

فقال: عَلامَ تختالونَ؟ قالوا:

 

بدأتَ بِهِ، ونحنُ مُقلِّدُوهُ

فخالِفْ سيرَك المُعوَجَّ، واعدِلْ

 

فإنَّا إن عدلتَ مُعدِّلُوهُ

أما تدري، أبانا، كلُّ فَرعٍ

 

يجاري بالخُطى مَن أَدَّبُوهُ؟!

ويَنشأُ ناشئُ الفِتيانِ منَّا

 

على ما كانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

ويخلط بعض الآباء بين الحوار والنصائح والعظات حين يظنون أنهم بقيامهم بتقديم النصح لأبنائهم في بعض المواقف أنهم بذلك يحاورونهم، بينما الحوار هو تبادل للأفكار ووجهات النظر بين طرفين مختلفين مع بقاء الاحترام والتقدير بينهما أثناء الحوار، واستمرار الودِّ بينهما حتى مع عدم الاتفاق.

صحيح أنَّ الآباء قد يمتلكون من العلم والمعرفة، والتجارب ما يفوق ما لدى أبنائهم، إلا أن ذلك ليس مسوِّغًا لفرض أفكارهم عليهم ورفض الدخول معهم في عملية حوار يطرح فيه كلَّ منهما ما لديه مستمعًا للآخر دون أن يستأثر بالحوار أحدهما.

أما إذا كان الحديث باتجاه واحد فقط من الآباء إلى الأبناء: نفِّذْ دون نقاش! فإنَّ الأبناء قد ينفِّذون الأوامر؛ خوفًا، أو عدم رغبة منهم في العقوق دون اقتناع حقيقي منهم، ويعد بعض المربين أن الحوار بالنسبة للصغار هو حاجة كما هي حاجتهم إلى الطعام والشراب يرون فيه أنفسهم ويحصلون فيه على ما يبحثون من إجابات تحيرهم في مستجدات الحياة.

كما ينبغي على الآباء أيضًا أن يدرِّبوا الأبناء على مهارات الحوار بما يتناسب وأعمارهم حتى إن اضطروا إلى القيام ببعض التمثيل المقصود من أجل تعليمهم، ويمكن تبسيط بعض الأفكار الكبيرة بحيث يستوعبها الصغار، كأن نعلمهم تقبل من نختلف معه والاستمرار في محبته رغم الخلاف، وعندما يرى الصغير بأنَّ أباه يستمر في محاورته رغم فارق السن والعلم والتجربة والقوة، فإن ذلك يعد أكبر درس له على أهمية الحوار وشرعية الاختلاف.

إنَّ الحوار الإيجابي يحتاج إلى قليل من العلم وكثير من الحذق والخبرة والفن، وهو ما يمكن التدرب عليه وتمثله في التعامل مع الأبناء، مما يعزِّز الشعور بالثقة لديهم بأفكارهم كونها مرت بمراحل متدرجة في الاقتناع والأخذ والرد، لا مجرَّد تلقي للأفكار، أو الأوامر والنواهي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق