السبت، 26 مارس 2022

(الشوفينية)، والحوار

يوسف أحمد الحسن

(نيكولا شوفان) هو شخصية أسطورية ترجع إلى جندي فرنسي في جيش (نابليون)، كان شديد الغيرة على وطنه، ومتفانيًا في الدفاع عنه، يُنسب مسمَّى (الشوفينية) له.

تعني الشوفينية (chauvinism) التعصُّب والاعتقاد المغالي لفكرة، أو للكيان أو وطن والتفاني الأعمى البعيد عن أي منطق بعيدًا عن أي عقلانية، وهناك من الشوفينية؛ الشوفينية الوطنية والدينية والمذهبية واللغوية والذكورية والأنثوية، وقد تتضخَّم حالة الشوفينية، وتتضيَّق إلى ما هو أضيق من بلدٍ ما؛ لتصل إلى مستوى مدينة يمكن أن يرى سكَّانها في مدينتهم حالة فوقية ترتفع على جميع المدن المجاورة، وعندما توجد مثل هذه الحالة في منطقة ما، فإنَّها تصبح مع الوقت معدية تنتقل من بلد لآخر، ومن منطقة لأخرى كردود أفعال تزيد من حالة التوتر في العلاقة مع الآخر، ورغم أنَّ هذه اللفظة قد استخدمت على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية إلا أن بعض جوانبها التطبيقية لا تزال موجودة عند الكثيرين بدرجة أو أخرى، ويعد وجود مثل هذه الحالة عقبة كأداء أمام أي حوار يمكن أن ينشأ بين أي طرفين؛ ذلك أنه من الطبيعي أن يعتدَّ كل طرف برأيه ومعتقده وبالجهة التي يمثلها، لكن ليس من المعقول أن يحاول أن يمنع الآخر من التمسك برأيه، أو أن يجبره على تغيير رأيه مهما كان متيقِّنًا من صوابية هذا الرأي، فالمطلوب هو اعتزاز كل طرف برأيه حيث إنه تعايش معه لفترة طويلة، وقام بتبنِّيه إمَّا منذ ولادته إن كان دينًا، أو مذهبًا، أو وطنًا، أو منذ التحاقه وانضمامه به إن كان مؤسسة أو منظمة أو أي جهة اعتبارية أخرى.

وكل جهة يشعر المنتمون إليها بالضرورة بأنَّهم يقفون في جانب الحق والصواب مقابل الآخر الذي إمَّا أن يكون الباطل في نظرهم، أو بعيدًا عن الحق والصواب؛ ولذلك فلكلٍّ الحق في التمسك بما يؤمن به ويعتز به، وتأتي المشكلة عندما يتحوَّل ذلك إلى منحى سلبي يترسخ ويتحول إلى حالة من الاحتراب يقوم فيها كل طرف إمَّا بنفي الآخر، أو تسقيطه، أو محاولة إنهاء وجوده بشكل تام، وما الحروب الكبرى التي نشبت في العالم، ومقتل الملايين من البشر إلا محصلة لعدم القبول بالآخر لم تكن بدايتها إلا رفض الحوار والاعتزاز المُغالى فيه بالرأي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق