يوسف أحمد الحسن
من حوار الهوية الإسلامية إلى حوار الذات الإنسانية
مسافة لا يمكن أن تختصر بحجج من قبيل أنَّ ما سوانا سيِّئ بمجمله.
صحيح أنَّ الغرب يدين بالمسيحية، وأنَّ هناك تاريخًا
مريرًا بين المسيحيين، وبلاد المسلمين ليس أقلها أهمية الحملات الصليبية وما جرَّته
علينا من مآسٍ ومحن، وأنَّ منهم من غزا بلادنا وقتل نساءنا وأطفالنا وهدم بيوتنا
واحتل أراضينا أو استعمرها.
كما أنَّ من الصحيح أيضًا أنَّ منهم من يهاجم
الإسلام ويحيك له المؤامرات ويكيد له ليل نهار، ولا يريد أن تقوم له قائمة، لكنْ
للمسألة أيضًا وجه آخر، فهناك من المسيحيين من هم ضد الحرب الصليبية التي اكتوى
بنارها بعض المسيحيين الشرقيين، كما المسلمين؛ كونهم جزءًا من مكونات المجتمع
الإسلامي، كما كانوا دائمًا منذ بدء الرسالة الإسلامية، بل إنَّ مسيحيي الشرق
كانوا دائمًا معتزين بأوطانهم الأصلية في البلاد الإسلامية، وكانوا في أوقات
الأزمات يرفضون أن يكونوا طابورًا خامسًا للغرب في بلاد المسلمين.
يوجد كثير من الكتاب والمفكرين الغربيين من كتب في
نقد الحروب الصليبية، وما أدت إليه من مآسٍ ودمار، وتأثيرات سلبية على الدول
الإسلامية، وحتى على مسيرة الحضارة الإنسانية، وهناك في الغرب من الشخصيات ومن مؤسسات
المجتمع المدني من وقف، ويقف ضد ما تقوم به دولهم من أعمال إرهابية ضد بلاد
المسلمين.
وكثيرًا ما نسمع عن بيانات ومواقف ومظاهرات مناوئة
لهذه الأعمال في عواصم الدول ذات الأغلبية المسيحية، لا لسبب إلا استنكارًا لأعمال
القتل والتدمير، بل إنَّ منهم من نذر نفسه للدفاع عن الدول التي غزتها، أو تغزوها
بعض الدول الغربية رغم ما يلحق بهذه الشخصيات دائمًا من خسائر.
والتعميم الذي يقوم به البعض في الدول الغربية على
المسلمين حين يصبغهم بتهمة الإرهاب؛ بسبب وجود إرهابيين من بين المسلمين، وما يحصل
أحيانًا من نعت جميع المسلمين المهاجرين في الغرب بالإرهاب؛ بسبب بعض التفجيرات
التي تحصل فيها.
هذه المواقف التي نعاتب بها الغرب لا يحق لنا أن
نستخدمها ضدَّه، ونعدُّ جميع الغربيين كورثة لمن قام بالحملات الصليبية، وأنهم
جميعًا يريدون الكيد بالإسلام، والسبب ببساطة أنَّ الأمر ليس كذلك وهو ما يستطيع
أي معايش لأوضاع المجتمعات الغربية أن يلاحظه، فالسواد الأعظم من الغربيين
العاديين لا يحتاجون سوى إلى بضع جلسات حوار معهم؛ لكي يغيروا من قناعاتهم الخاطئة
حول الإسلام، واتخاذ موقف سلبي قاطع تجاه الحوار يحرم هؤلاء من فرصة التعرف أكثر
على مفاهيم الإسلام.
صحيح أنَّ لدى بعض السياسيين الغربيين عنادًا مبالغًا
فيه، لكنَّ هؤلاء أيضًا يمكن أن يتغيَّروا مع الوقت ومع ضغط الشارع والمصالح الحزبية
والانتخابية فيه.
كما يوجد من بين المسيحيين في الغرب من أرهقه
الطابع المادي للحضارة الغربية ويبحث على الدوام عن أساليب ومناهج، وحتى أديان
تبعث فيه الطمأنينة الروحية التي يشعر بأنه فقدها هناك، ومن هذه الأساليب التي
تلقى رواجًا كبيرًا تمارين التأمل، والاسترخاء و(اليوغا) وغيرها، حيث يمكن للحوار
الإيجابي أن يكون منقذًا لهم، ومنفذًا إلى الإسلام، وليس مطلوبًا في مؤتمرات
الحوار أن يكون الهدف منها تغيير أديان المشاركين، لكنها يمكن أن تؤدي إلى ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق