يوسف أحمد الحسن
من العقبات التي تواجهنا في انتشار مبدأ التسامح هو
اعتقاد المتسامح بأنَّه بتبنِّيه التسامح يكون قد اعترف بالآخر بشكل كامل، وربَّما
منحه الشرعية مما يضعه موضع الندِّ في مختلف المواقع، وأصل هذه العقبة أنَّ هذا
المتسامح لا يعتقد في قرارة نفسه بحق الآخر في الوجود الكامل والاختلاف والتمايز،
بل يقوم بممارسة هذا السلوك من باب رفع الحرج، أو بمثابة تساهل معه، فحسب وغض
للطرف عنه لا أكثر.
بينما الأصل في مبدأ التسامح هو أن يعتقد المتسامح
أنَّه إنَّما يقوم بذلك؛ لأنه مقتنع بالمبدأ ومتصالح معه مهما ترتَّب عليه من أثر.
لذا، فإنَّه لا يمكن أن يعد البعض أن التسامح هو منَّة
منه على الآخر، فهو ليس منَّة من القوي للضعيف، ولا من المواطن للمقيم، أو المهاجر،
أو حتى من دين منتشر وغالب لآخر ضعيف ومنزوٍ، ولا يتمتع بشعبية، بل للجميع مهما
بلغت قوَّته، أو ضعفه.
ورغم أنَّ هناك أمثلة عديدة على الـ(لا تسامح) في
بعض فترات تاريخنا، إلا أنَّ هناك أيضًا كمًّا هائًلا من الشواهد، والأمثلة،
والنصوص التي تعزِّز وتدعو إلى حالة التسامح مع الآخر بعيدًا عن التفرُّد بالرأي و(الدُّوغمائيَّة)،
لكن ما نحتاجه هو انتقال هذه الشواهد من عقول المفكرين ورفوف المكتبات إلى الواقع
العملي المعاش؛ لكي تنعكس على حياة الناس.
وحين نتحدَّث هنا عن التسامح فهو مع الجميع، أفرادًا
وجماعات ومؤسسات ودولًا، من المختلفين معنا في الدين، والمذهب، أو المعتقد، وفي
الوطن وخارجه، ولا يشمل المفسدين، والفاسدين، والمجرمين الذين يجب أن ينالوا
جزاءهم من العقاب حفظًا لحقوق الناس وللأمن والأمان في البلاد.
المفارقة في مفهوم التسامح أن من يدعو إليه في
العادة وفي الغالب هو الضعيف وليس القوي في مقابل انتشار مفاهيم الـ(لا تسامح) لدى
القوي مثل الحق المطلق والثبات على الحق ورأي الأغلبية وضرورة الذوبان فيها وتوظيف
المقولات التي تؤيد هذه التوجهات.
ويندر أن تجد قويًّا فردًا كان أو جهة أو دولة،
تميل إلى التبشير بالتسامح وروح الحوار إلا حين تصطدم بمشكلة كبيرة جدًّا، أو حين
تنقلب الموازين فيصبح الضعيف قويًّا، والقوي ضعيفًا.
وعندما يكون الوئام والعيش المشترك مطلبًا، فإن
التسامح هو الحل، وعندما تكون الوحدة الوطنية مطلبًا، فإن التسامح هو الملاذ،
وكذلك عندما يصبح السلم العالمي هو المطلب، فإن التسامح هو المنقذ.
(كنْ شديدَ التسامح مع من خالفك الرأي، فإن لم يكن
رأيه كل الصواب، فلا تكن أنت كل الخطأ بتشبُّثك برأيك) «فولتير».
(الشجرة لا تحجب ظلَّها حتى عن الحطاب) «هيتوباديسا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق