السبت، 26 مارس 2022

تبرع بجزء من عمرك!

يوسف أحمد الحسن 

ربما يكون العنوان غريبا على البعض ، كون التبرع عادة ما يكون بالمال أو بالأمور الملموسة  . لكن المقصود هنا من التبرع بجزء من العمر هنا هو المساهمة في الأعمال التطوعية .

ذلك أن مجتمعنا الذي يضج بالنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والشخصية ، تنقصه الكثير من الجهود التي تسد بعض الثغرات فيه مثل المشاركة في الجمعيات الخيرية الخاصة بمساعدة المحتاجين ، أو دعم كبار السن والمشاركة في نشاطات المحافظة على البيئة أو حتى تنظيم حركة المرور عند الضرورة .

وعندما نسمع بأنه كان هناك نحو 1130 متطوعا ومتطوعة ( تابع للفريق التطوعي للهلال الأحمر السعودي ) يخدمون الزوار والمعتمرين في المسجد النبوي الشريف خلال شهر رمضان الفائت ، إضافة إلى آلاف المتطوعين في مختلف المناسبات وفي مختلف المناطق ،  فإن ذلك يدل على اهتمام مجتمعنا بهذا النوع من الأعمال .

ويربط بعض الباحثين بين مستوى وكثافة الأعمال التطوعية في أي مجتمع بأمرين أساسيين هما : حاجة المجتمع إليها ، ومستوى الفاعلية والنشاط والتقدم  لديه . فالمجتمع الفاعل لا يهمه مثلا أن تكون هناك مؤسسات وجهات حكومية موكل بها عمل ما ، بل يبادر أبناؤه إلى القيام بذلك عن قناعة داخلية ، ويتركون للجهات الحكومية دور تأطير هذه الأعمال ما أمكن وتسهيل قيام الناس بها ، ووضع ضوابط لهم وحوافز تشجيعية مثل أن تحسب لهم ساعات العمل التطوعي كنقاط تجمع ثم يتم تكريمهم عند الوصول إلى رقم معين ، أو أن تحسب كساعات تدريب لبعض التخصصات الجامعية أو أن يتم احتسابها لتقليل مدة السجن لبعض الجنح أو الجرائم .

ورغم أن التطوع هو الجهد الذي يبذله الإنسان دون مقابل مادي ، إلا أن المتطوع يكتسب منها بعض الإيجابيات والتي ليس أقلها تعزيز ثقته بنفسه وزيادة خبراته في أمور يميل إليها أصلا وإشباع لرغبات كامنة لديه والمساهمة في تحقيق ذاته . كما أن التطوع يزيد من المكانة الاجتماعية لمن يخوض تلك التجربة شاء أم أبى ، ويؤدي إلى ملء فراغ الشباب ولما لذلك من إيجابيات ، هذا كله علاوة على الأجر الأخروي .

إن مزيدا من الاهتمام بالأعمال التطوعية وزيادة رقعتها ومجالات تطبيقها تنمي  السلوكيات الحميدة في المجتمع وتعزز روح التضامن والتكافل بين أبناءه ، وتعزز جاهزيته لمواجهة أي حدث طاري أو كارثة طبيعية قد تحدث لا قدر الله . وأي إهمال لهذا الجانب يصب بالتأكيد في خانة زيادة المظاهر والسلوكيات الخاطئة في المجتمع وحتى الجرائم .

فما الذي نتوقعه من فقير يشاهد بعض مظاهر الترف والتبذير لدى المجتمع المخملي ، بينما لا يملك هو قوت يومه ويكدح من الصباح حتى المساء من أجل تأمين ضروريات الحياة له ولعائلته ولا يجد من يعينه في شيء ؟ وما الذي قد نجنيه من فقير تكالبت عليه صنوف المشاكل ولا يجد من يقف إلى جانبه ؟

إن الانخراط في الأعمال التطوعية لا يعود بالنفع على المحتاجين إليها فقط ، بل حتى على الأغنياء والمكتفين ، ويؤدي إلى تراكم الحالة الإيجابية والسلوك التكافلي في المجتمع ، ما يدفع بدوره نحو مزيد من التقدم والنماء .

جريدة اليوم – 18 أكتوبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق