ربما
يكون العنوان غريبا على البعض ، كون التبرع عادة ما يكون بالمال أو بالأمور
الملموسة . لكن المقصود هنا من التبرع
بجزء من العمر هنا هو المساهمة في الأعمال التطوعية .
ذلك أن
مجتمعنا الذي يضج بالنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والشخصية ، تنقصه الكثير من
الجهود التي تسد بعض الثغرات فيه مثل المشاركة في الجمعيات الخيرية الخاصة بمساعدة
المحتاجين ، أو دعم كبار السن والمشاركة في نشاطات المحافظة على البيئة أو حتى
تنظيم حركة المرور عند الضرورة .
وعندما
نسمع بأنه كان هناك نحو 1130 متطوعا ومتطوعة ( تابع للفريق التطوعي للهلال الأحمر السعودي
) يخدمون الزوار والمعتمرين في المسجد النبوي الشريف خلال شهر رمضان الفائت ،
إضافة إلى آلاف المتطوعين في مختلف المناسبات وفي مختلف المناطق ، فإن ذلك يدل على اهتمام مجتمعنا بهذا النوع من
الأعمال .
ويربط
بعض الباحثين بين مستوى وكثافة الأعمال التطوعية في أي مجتمع بأمرين أساسيين هما :
حاجة المجتمع إليها ، ومستوى الفاعلية والنشاط والتقدم لديه . فالمجتمع الفاعل لا يهمه مثلا أن تكون
هناك مؤسسات وجهات حكومية موكل بها عمل ما ، بل يبادر أبناؤه إلى القيام بذلك عن
قناعة داخلية ، ويتركون للجهات الحكومية دور تأطير هذه الأعمال ما أمكن وتسهيل
قيام الناس بها ، ووضع ضوابط لهم وحوافز تشجيعية مثل أن تحسب لهم ساعات العمل
التطوعي كنقاط تجمع ثم يتم تكريمهم عند الوصول إلى رقم معين ، أو أن تحسب كساعات
تدريب لبعض التخصصات الجامعية أو أن يتم احتسابها لتقليل مدة السجن لبعض الجنح أو
الجرائم .
ورغم
أن التطوع هو الجهد الذي يبذله الإنسان دون مقابل مادي ، إلا أن المتطوع يكتسب
منها بعض الإيجابيات والتي ليس أقلها تعزيز ثقته بنفسه وزيادة خبراته في أمور يميل
إليها أصلا وإشباع لرغبات كامنة لديه والمساهمة في تحقيق ذاته . كما أن التطوع
يزيد من المكانة الاجتماعية لمن يخوض تلك التجربة شاء أم أبى ، ويؤدي إلى ملء فراغ
الشباب ولما لذلك من إيجابيات ، هذا كله علاوة على الأجر الأخروي .
إن
مزيدا من الاهتمام بالأعمال التطوعية وزيادة رقعتها ومجالات تطبيقها تنمي السلوكيات الحميدة في المجتمع وتعزز روح
التضامن والتكافل بين أبناءه ، وتعزز جاهزيته لمواجهة أي حدث طاري أو كارثة طبيعية
قد تحدث لا قدر الله . وأي إهمال لهذا الجانب يصب بالتأكيد في خانة زيادة المظاهر
والسلوكيات الخاطئة في المجتمع وحتى الجرائم .
فما
الذي نتوقعه من فقير يشاهد بعض مظاهر الترف والتبذير لدى المجتمع المخملي ، بينما
لا يملك هو قوت يومه ويكدح من الصباح حتى المساء من أجل تأمين ضروريات الحياة له
ولعائلته ولا يجد من يعينه في شيء ؟ وما الذي قد نجنيه من فقير تكالبت عليه صنوف
المشاكل ولا يجد من يقف إلى جانبه ؟
إن
الانخراط في الأعمال التطوعية لا يعود بالنفع على المحتاجين إليها فقط ، بل حتى
على الأغنياء والمكتفين ، ويؤدي إلى تراكم الحالة الإيجابية والسلوك التكافلي في
المجتمع ، ما يدفع بدوره نحو مزيد من التقدم والنماء .
جريدة
اليوم – 18 أكتوبر 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق