الجمعة، 25 مارس 2022

عندما يتحاور أبناء الوطن

يوسف أحمد الحسن 

عندما نسلِّم بأن الحوار على مستوى الأفراد هو إحدى ضرورات السلم الاجتماعي لما يشكله من كاسر لحالة التصادم والمواجهة، مساهمًا في تدوير زوايا الخلاف، فإن الحوار بين فئات مختلفة من المجتمع يصبح أكثر ضرورة بما يمثله من نسبة، وبما يشكله من علامة فارقة في الوعي الحضاري لأبناء الوطن.

أمَّا الحوار الوطني الواسع بين مختلف شرائح وفئات ومناطق ومذاهب أي مجتمع، فإنَّه يحتل أعلى مرتبة في سلم الأولويات الوطنية؛ وذلك لأنَّه يضمن إلى حدٍّ كبير جل درجات الحوار ومستوياته، إن على المستوى الفردي أو المجتمعي، فعندما تتَّفق أكبر شرائح المجتمع على مبدأ ضرورة إقامة الحوار، فإنَّها توحي لجمهورها، حتى دون تصريح، بأنَّها في حالة سلم مع بعضها البعض، وأنَّها اختطَّت لنفسها طريقًا يقرِّبها من بعضها البعض ويبعدها عن الاحتراب الداخلي، أما عندما يتوقف الحوار، فإنَّ الجمهور غالبًا ما يستنتج بأن وقت الهدنة قد انتهى، وأنَّ التصادم هو القادم.

كما أن الحوار الوطني يعد ضرورة؛ لأنَّه الخطوة الأولى للسلم الاجتماعي، الذي يعد بدوره أهم مقومات التنمية المستدامة في أي مجتمع، ذلك أنَّ البديل التلقائي لانعدام الحوار الوطني هو الاحتراب والذي يعني فيما يعنيه أن يبدأ التراشق الكلامي، وقد لا ينتهي ذلك إلا بالحرب بمختلف أشكالها ومستوياتها.

لذا فمن أجل ديمومة الحوار بين أبناء الوطن، فإنَّ هناك متطلباتٍ منها:

أوَّلًا: توفير المناخ المساعد لذلك من جو إعلامي هادئ، وما يعنيه ذلك من وقف للحملات الإعلامية المتبادلة، إن على صعيد الأفراد أو على صعيد الكتل الاجتماعية، والتي تعد (ترمومترًا) حسَّاسًا لما يجيش في النفوس من مشاعر.

ثانيًا: إيفاء متطلبات واحتياجات مختلف الشرائح  المشاركة في الحوار، فكلما اتَّسع البَون بين هذه الشرائح ومال ميزان القوى لصالح أحدها بشكل كبير، كلما تصعَّب الحوار بسبب الشعور المفرط بالغبن لدى الجانب الأضعف، والشعور بنشوة القوة والغلبة لدى الجانب الأقوى؛ لذا فإنَّه إذا كان يراد للحوار أن يصل إلى بر الأمان بأسرع وقت وبأقل الخسائر، فإنَّه يجب تعديل ميزان القوى قدر الإمكان وضمان حد أدنى من الحقوق للطرف الأضعف من أجل كسر حاجز الصوت المخنوق لديها.

ثالثًا: وجود النية الصادقة لدى مختلف الأطراف بالالتزام بأخلاقيات الحوار والرغبة الحقيقية في التحاور، وليس التقوِّي بالموقف السياسي من أجل فرض الرأي، وإسكات الآخر الاجتماعي.

رابعًا: وجود الإرادة الحقيقية لدى رعاة الحوار لديمومته في أجواء إيجابيَّة، مهما كان اتِّجاه الريح فيه، والرغبة الصادقة لتنفيذ مخرجات الحوار مهما كانت، ذلك أنَّ ما يجمع أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفوا ومهما تباعدت الرؤى والأفكار والتوجهات والمشارب لديهم، أكبر بكثير ممَّا يفرِّقهم، وأنَّ هذا الاختلاف مهما بدا كبيرًا، فإنَّ جميع آحاد أبناء الوطن متساوون في الحقوق كما هم في الواجبات، ما داموا تحت ظلِّ الوطن مؤمنين بدستوره، ومطبِّقين قوانينه، ومحافظين على وحدته، وفي حالة ولاءٍ تامٍّ له. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق