لو كان كل من تحدَّث عن الحوار وأهمِّيَّته وحتميته
صادقًا، ثمَّ منفِّذًا إيَّاه لكان حالنا مختلفًا، ولكان حال العالم اليوم أفضل؛
لكنَّ المسافة بين القول بالحوار والفعل طويلة جدًّا لا يعترف بطولها أحد، وإذا ما
اعترف بها، فإنَّ المسألة لا تنتهي هنا، ففي تفاصيلها يكمن الشيطان مترصِّدًا لأيِّ
محاولة للوصول إلى مرفأ الأمان، أو حتَّى تدوير للزوايا يضمن درجةً، ولو متدنِّية
من التعايش بين مختلف الأطراف.
فالحوار هو أكثر كلمة تتعرَّض للظلم عندما يكون
الموضوع هو العلاقة بين طرفين يدَّعي كلٌّ منهما زورًا تمسُّكه بها، هذا في حال
وجود تقارب في ميزان القوى بين الطرفين، أمَّا في حال ميلان الميزان لصالح أحدهما،
فإنَّ الحوار يصبح أكثر صعوبة كون القوي فيه يعتقد أنه قد يمنح الشرعيَّة للطرف
الأضعف في حال قبوله بالحوار، بينما يتمسَّك به الطرف الأضعف كطوق نجاة وحيد له
منظِّرًا له، ومشجِّعًا عليه بمختلف الطرق.
توجد في المكتبة العربية أعداد كبيرة من الكتب التي
تتحدَّث عن موضوع الحوار متناولة إيَّاه من مختلف الزوايا ومفصلة لمحاوره كافة وجوانبه،
وأخال أنَّ أيَّ كتابة، أو تنظير في هذا الموضوع لا بدَّ أن يكون مفيدًا، وقد يكون
مؤشِّرًا للشعور بأهميته في عالمنا العربي؛ ولذلك جاء هذا الكتاب الذي هو عبارة عن
سلسلة مقالات نشرت في جريدة اليوم السعودية في العامين: 2016م، و2017م، بينما نشر
عدد محدود منها في بعض الصحف الإلكترونية، ومنها ما لم ينشر نهائيًّا.
وقد حاولت في هذه المقالات أن أسلِّط الضوء على
موضوع الحوار من عدد من الزوايا تاريخيًّا وفكريًّا، محاولًا تبسيط بعض مفاهيمه
وعرض أهم محاوره بأسلوب حرصت أن يكون في متناول الجميع، كما تناولت بعض الموضوعات
القريبة منه كالتسامح والتعايش.
أتمنَّى أن يحظى الكتاب بإعجابكم وتقبُّلكم، وأن
يكون إضافة ولو بسيطة للمكتبة العربية.
يوسف أحمد الحسن
الأحساء – الهفوف
الأول من رمضان 1442هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق