السبت، 26 مارس 2022

الحوار، وليلى

يوسف أحمد الحسن 

يتحدَّث الكثيرون عن الحوار وأهميته وينظرون، وربما كتبوا مقالات وكتبًا حوله، لكنَّهم إمَّا أنهم لا يجيدون الحوار، أو أنهم لا يريدونه، كما يقول الشاعر:

وكُلٌّ يدَّعي وَصلًا بلَيلى

 

ولَيلى لا تقرُّ لَهمْ بذاكا

إذا انبَجَسَتْ دُموعٌ مِن عُيونٍ

 

تبيَّن مَن بكَى ممَّن تَباكى

ويبتعد كثيرون عن الحوار؛ لأسباب عدَّة منها عدم قدرتهم على الصمود فيه بسبب تهافت آرائهم وأفكارهم، أو عدم قدرتهم على مواجهة الآخر فكريًّا.

وقد يعتقد البعض بأن مجرَّد قبوله بالمشاركة في حوار هو اعتراف بصحة أفكار الآخر، أو بالمساهمة بإعطائه مشروعية في المجتمع، وأنَّ رفض الحوار هو نوع من القوة والشدة في الحق والالتزام به، أمَّا القبول بالحوار فهو، بشكل أو بآخر، نوع من الإذعان للآخر لا يتناسب مع قوة الرأي أو صلابته.

لذا فإنَّ هناك مسافة بين القول بالحوار والحوار نفسه تطول وتقصر اعتمادًا على عدة عوامل منها الشعور الداخلي بالقوة الذي يتناسب طرديًّا مع قوة الفكرة ومدى الإيمان به وبتفاصيله واستيعاب ذلك كله، كما تعتمد في بعض الأحيان على سلوك الأنصار وقوتهم ومدى سيطرتهم على قياداتهم، لذا فإن كثيرًا من القيادات تجدها تتبنَّى رأيًا عند التنظير؛ لكنها تتنكَّر له عند التطبيق العملي اعتمادًا على آراء محيطهم الاجتماعي الذي يتأثَّرون به بدلًا من التأثير عليه. 

وقد يقع كثير من المحاورين في فخ آخر من الحوار هو أبعد ما يكون عنه، وهو ما تسميه الدكتورة بدرية البشر ( الحوار الوحشي)، وهو (يتمترس خلف موسوعة من الشتائم الضليعة في اللغة التي تستحق دراسة نفسية لعكس ذهنية الحوار السعودي، ومفردات التهميش ومدرعات التكفير والتشهير وقبل أن يبدأ الحوار معك يعتلي سلَّمًا يطل منه عليك بلغة وعظية إرشادية تعليمية يتعهد فيها بأن يعيدك الى جادة الصواب ويخرجك من ضلالك إلى النور، ثم يقرأ عليك آيات قرآنية مشيرًا أنها نزلت فيك وفي أمثالك ويدعو الله أن يشرح صدرك للإسلام؛ إذ يعدُّك خرجت منه، وهو من سيعيدك إليه وبعد أن ينتهي يقول لك: الله يهديك، ولكن بنبرة: الله يأخذك!).

وممَّا يجعل بعض القيادات تنأى بنفسها عن أصل الحوار حتى مع ما يبدو من إيمانها بذلك حين النظر إلى أدبياتها، هو تغير موازين القوى بين الأطراف المتحاورة سلبًا أو إيجابًا، فتراها ترفض الحوار رفضًا باتًّا حين تكون قوية، وتقبل به وتدعو له حين تصبح ضعيفة، وكأن الحوار مطية ووسيلة للوصول إلى غاية.

 

(عندما تدخل في نقاش، حافظ على هدوء أعصابك، أمَّا منطقك إذا كان سليمًا، فسوف يعتني بنفسه) «جوزيف فاريل».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق