يوسف أحمد الحسن
يستطيع حوار الأديان أن يساعد ملايين المسلمين
المتواجدين في أوربا وأمريكا والذين اضطرتهم الظروف الصعبة في بلادهم سياسيًّا، أو
اقتصاديًّا، أو اجتماعيَّا للهجرة إلى هناك أو للجوء السياسي، فوجود مؤتمرات
ولقاءات الحوار تساعد هؤلاء وتساهم في توضيح الجوانب المشرقة من ديننا الحنيف، وفي
تغيير ما يسمى التنميط السلبي للإسلام وما علق به من تهم ساهمت الأحداث الإرهابية
في إلصاقها به.
إنَّ مجرَّد رفض مبدأ الحوار مع الديانات الأخرى
يعطي رسالة خاطئة للآخر الديني أن الإسلام يميل نحو فرض أفكاره عليهم بالقوة
والعنف أو بالحرب، بينما ينعكس إيجابًا على الإسلام القبول بالحوار، وذلك مع عدم
التنازل عن أي من ثوابتنا الراسخة.
إنَّ الرفض العلني للحوار مع معتنقي الديانات
الأخرى يبقى ذا أثر محدود في ظل التطورات التقنية ووجود وسائل التواصل الاجتماعي
التي حولت العالم إلى قرية صغيرة يتحاور فيها الجميع مع الجميع.
وكما أنَّنا نحن المسلمين، لسنا كتلة واحدة عندما
يتعلَّق الأمر بموقفنا تجاه الآخر، حيث إنَّ منا من يعتقد بأنَّ الآخر رائع، أو سيِّئ،
أو ما بينهما، كذلك الأمر بالنسبة لهم، حيث إنهم ليسوا نسيجًا واحدًا في مواقفهم
تجاه المسلمين، وهنا نستطيع أن نستغل هذه الفرصة؛ لنحافظ على من يرون أنَّنا
جيدون، وقد نخفِّف من غلواء من يرونا أشرارًا.
أمَّا ملايين المحايدين في البلاد الغربية والذين
لم تتشكَّل لديهم آراء حاسمة تجاه الإسلام، فيمكن عبر لقاءات الحوار التي تقام حتى
على صعيد محلي أن تسهم في استمالتهم نحو مواقفنا الدينية، بدلًا من أن يميلوا في
الاتجاه الآخر.
إنَّ عموم أبناء الغرب ليسوا أشرارًا، بل إنَّ
غالبيتهم من يمكن أن يتفهَّم أن ديننا يدعو للسلام والتسامح وقبول الآخر، وربما
دفعه رفضنا للحوار إلى النفور من الإسلام، وتأكَّدت لديه أوهام سلبية حوله.
ولدينا في الدول العربية والإسلامية أعداد من
المسيحيين أبناء الوطن وهؤلاء لا يمكن أن نسلبهم حقوقهم المدنية، نختلف معهم، لكن
نعاملهم بالحسنى تمامًا كما كان يتم التعامل معهم في صدر الإسلام وأيام الدول
الإسلامية المتعاقبة، وأي عملية رفض للحوار مع المسيحيين المواطنين مثلًا، قد تضعف
من شعور بعضهم، أقول بعضهم، بانتمائه الوطني وقد يقع لقمة سائغة في أيدي المتربصين
بالدول العربية أو الإسلامية، ولذلك فمن باب تحصين الجبهة الداخلية، فإنَّ علينا
أن نقوم بحوار ديني حتى مع مواطني الدول العربية والإسلامية من المسيحيين، وحتى
الدول التي لا يوجد بها مواطنون مسيحيون مثلًا، لا يمكن استثناؤهم، حيث إنَّ طبيعة
العولمة تفرض التنقل السريع لأتباع أي دين بين مختلف بلدان العالم في كل لحظة.
وليس أكثر تأكيدًا على التعاطف مع المسيحيين من
إطلاق مسمَّى أهل الكتاب عليهم في القرآن الكريم، ثمَّ التعاطف الواضح معهم في
حربهم مع المجوس، والذي ورد في سورة الروم، مقابل تعاطف مشركي قريش مع المجوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق