السبت، 26 مارس 2022

التعايش في التجربة الهندية (2)

 يوسف أحمد الحسن 

عندما انفصلت باكستان عن الهند في العام 1950م، تمَّ توجيه الاتهام للمسلمين بالتسبب في ذلك، كما تم اتهامهم بالعمالة لدولة باكستان، والتجسس لصالحها من قبل الغالبية الهندوسية في الهند، وقد أدَّت تلك التهم إلى حصول مضايقات لمن تبقَّى منهم في الهند وبدايات لنبذهم من قبل الهندوس، ويقول الأمين العام للمجلس الإسلامي في البنغال (أحمد حسن عمران): (في سبعينات القرن الماضي تنامت عدم الثقة، ساد الاعتقاد بأنَّ المسلمين هم أصدقاء الباكستان ومعظمهم جواسيس، ولكنَّ هذا المنظور تغير بشكل تدريجي مع إدخال الإصلاحات إلى المدارس وكذلك إلى غيرها من المؤسسات التعليمية).

ولم تدم هذه الحالة طويلًا - كما قال عمران- فقد تم وضع دستور طويل ومفصل يقر بجميع الأديان والمذاهب والأعراق الموجودة في الهند، شارك في وضعه أكثرهم بما في ذلك المسلمين الذين مثلهم (أبو الكلام آزاد)، وهو بالمناسبة من مواليد مكة المكرمة عام 1888م.

وينصُّ الدستور الهندي على أنَّ كلَّ مَن يحاول بسوء نية، وبقصد مبيَّت المسَّ بالمشاعر الدينية لفئة من المواطنين سواء بالكلمة المكتوبة أو المنطوقة، أو باستخدام علامات معينة، أو سب ومحاولة القيام بذلك سيكون تحت طائلة القانون الذي يعاقب، إمَّا بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الإساءة للمشاعر الدينية، أو الغرامة، أو بهما معًا.

ورغم أنَّ هذا النص لم يقضِ على المشكلة الطائفية في الهند، لكنَّه تمكَّن من الحد منها وتحجيمها إلى حدٍّ بعيد، كما تمكَّن من تقليل الأحداث الطائفية في بلد يتميز بالتنوع الشديد في اللغات والأعراق والأديان والمذاهب، وكانت الهند مثلًا من أوائل دول العالم التي منعت طباعة، أو نشر الرواية المثيرة للجدل (آيات شيطانية)، كما منعت استعراضها أو الكتابة عنها في الصحافة الهندية، ومن مظاهر التعايش الهندي حول هذه الرواية أن أول من نادى بحظر هذه الرواية الصحفي الهندي السيخي الديانة (خوشوانت سينج، 1915م - 2014م) الذي قيل إنَّه رفض طلبًا من صحيفته بعرض الرواية لما لاحظه من إساءة واضحة فيها للدين الإسلامي، وذلك حتى قبل أن تثار ضجة عالمية حولها.

و(خوشوانت سينج) لمن لا يعرفه هو أحد أشهر الكتاب والصحفيين الهنود والذي أدار ورأس تحرير عدد من الصحف الهندية وكاتب رواية (قطار إلى باكستان) وهي رواية جميلة تم تحويلها إلى (فيلم)، وهي قصة أخرى تستحق أن تذكر في التعايش السلمي بين مختلف الأديان والأعراق، كما أنَّ (سينج) كان نائبًا في البرلمان الهندي خلال ثمانينات القرن الماضي وحاصل على جائزة (بادما فيبهوشان) المدنية من الحكومة الهندية.

ولا ينفي هذا العرض عن حال التعايش الهندي وجود حالات من التمييز الطائفي والديني والعرقي، أو حتى ممارسات من هذا النوع، لكنها لا ترقى إلى مستوى الظاهرة، كما لا ينفي هذا الحديث وجود أحزاب سياسية يكمن التمييز بأنواعه في برنامجها السياسي وتقوم بممارسات طائفية وتمييزية على مختلف الأصعدة، لكنَّ الجميل جدًّا والرائع في الهند أنَّ التعايش تراهُ في الشارع الهندي بشكل جلي، خاصَّة في الأماكن التي لم تلوِّث السياسة جنباتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق