السبت، 26 مارس 2022

التعايش في التجربة الهندية (1)

يوسف أحمد الحسن 

عندما تلقَّت رئيسة وزراء الهند (أنديرا غاندي) تقارير استخباراتية بأنَّ هناك مخططًا لاغتيالها من قبل طائفة السيخ، لم تفعل كما كان يمكن أن يفعل بعض قادة العالم الثالث بإبعاد جميع موظفي هذه الطائفة عن المسؤوليات الحساسة، الأمنية منها خاصة؛ بحجة حماية رأس الدولة، رغم أن حارسها الشخصي كان من تلك الطائفة، وكان ردها دائمًا على طلب الجهات الأمنية أنها لو فعلت ذلك، فإنَّها لن تكون رئيسة وزراء الهند كلها بجميع أديانها وطوائفها، ولم تلبث (أنديرا) حتى تم اغتيالها على يد هذا الحارس الذي أراد مع زميلٍ له أن ينتقم لاقتحام قوات الأمن الهندية للمعبد الذهبي في العام 1983م.

هذه هي الهند التي قد يتندَّر عليها البعض يعيش فيها المسلم إلى جانب الهندوسي، والسيخي إلى جانب المسيحي واليهودي والبوذي في حال من التعايش والسلم الاجتماعي لا يعكر صفوها إلا بعض أحداث الشغب النادرة، والتي لا يخلو منها بلد بما في ذلك أعرق، وأهم الديمقراطيات في العالم كبريطانيا، والولايات المتحدة.

ورغم أنَّ الهندوس يشكِّلون حوالي (80.5 %) من سكَّانها، إلا أن الدستور الهندي لا يحدِّد ديانة رسمية للبلاد، وهو ما يعني اعترافه بجميع الأديان الأخرى فيه، وهي الإسلام حوالي (13.4%)، والمسيحية (2.3%)، والسيخ (1.8%)، والبوذية (0.76%)، والجاينية (0.4%)، إضافة إلى اليهودية والقاديانية والبهائية والزرادشتية.

ويعد الدستور الهندي أطول دستور في العالم (244 مادة) بينما لا يتضمن الدستور الأمريكي أكثر من (7) موادّ، ولم تبقَ نصوص هذا الدستور حبيسة أوراق أو ملفات أو حبرًا على ورق، بل تمت ترجمتها إلى واقع يعيشه المواطن الهندي هندوسيًّا كان، أو مسلمًا، أو سيخيًّا بحيث يصل إلى أعلى المناصب والمسؤوليات حتى رئاسة الجمهورية، فرئاسة الوزارة التي يحددها صندوق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة ويتسنَّمها حزب الأكثرية السياسية والدينية لم تمنع (أبو الكلام)، وهو المسلم الذي ينتمي إلى أقلية دينية، من أن يصبح رئيسًا للهند، كما لم تمنع مسلمًا آخر أن يصبح نائبًا لرئيس الجمهورية، ولا ثالثًا كوزير للداخلية.

وهنا تعطينا الهند التي يعيش فيها من السكان ما يزيد على عدد سكان الدول العربية؛ تعطينا دروسًا في التعايش بين الأديان والمذاهب قل نظيرها.

هذه الديمقراطية التي تعد أكبر ديمقراطية في العالم لا نرى فيها تناحرًا على أساس ديني، ولا تقاتلًا على أساس عرقي، كما لا نرى فيها شكاوى يُعتدُّ بها، من تمييز على أساس ديني أو عرقي رغم أنَّهم لا يدرسون الدين في المدارس الرسمية، مع قيام القوانين الهندية بمعاقبة أي مساس بمعتقدات أو مقدَّسات أي ديانة أو مذهب في البلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق