يوسف أحمد الحسن
يحمل نموذج (صحن السلطة) في كندا اسمًا آخر، وهو
(الموزاييك) (Mosaic)، وله
أيضًا مسمّى آخر باللغة العربية وهو (الفسيفساء)، يقال إنها من أصل يوناني.
وقد جعل تطبيق هذا المفهوم من أتباع الأديان
والمذاهب والإثنيَّات المختلفة في الولايات المتحدة في حال انسجام، وتواد، وتعاون
كامل تحت ظل وطن واحد، كما ساعد على الارتقاء بقيمة الوطن على حساب أي قيم أخرى،
وإبعاد أي تداخلات تاريخية، أو أيديولوجية، أو قومية في العلاقات البينية داخل
المجتمع الأمريكي، وبني هذا المفهوم على فكرة أن من المستحيل أن يتوحَّد الناس على
رأي واحد، بل إنَّ الأساس هو الاختلاف الذي يعد عامل إثراء وإضافة في أي مجتمع ما
دام في حدوده المعقولة، ويتم التعامل معه بإيجابية.
وهنا يأتي الحل بنموذج اجتماعي يشبه صحن السلطة حيث
وجود مكونات السلطة في صحن واحد دون أن يطغى أحدها على الآخر، وعلى الرغم من أن
المجتمع الأمريكي هو خليط مهاجر من عشرات المجتمعات في العالم بعشرات أيضًا من
الديانات والمذاهب والعرقيات، إلا أنَّ الجميع الآن يعيش في حال انسجام شبه كامل
رغم وجود بعض النتوءات من وقت لآخر.
ولذلك أيضًا نلحظ ابتعاد عامة الناس عن النقاشات
الهامشية أو الأيديولوجية وتركيزهم على بناء الذات والوطن مع الاعتزاز بالهوية
والأصل من قبل كل خط فكري أو أصل عرقي وهذه هي كلمة السر في القوة الأمريكية
اجتماعيًّا، ثم علميًّا وتقنيًّا وبالتالي سياسيًّا.
وتحاول النخبة السياسية هناك تعزيز حالة الولاء
للوطن عبر تمسُّك كل خط بهويته الخاصة دون أن تصطدم بالواقع الوطني، وقد انعكس هذا
قوانين تسري على المجتمع حيث يتمُّ إعطاء كلِّ إثنيَّة حقوقها في الحياة اليومية
وفي المناهج الدراسية وحتى في الإجازات والعطل الدينية، ويعطى للمسلمين حاليًّا
إجازات رسمية في أعيادهم، كما يعطون إذنًا خاصًّا للصلاة في يوم الجمعة، بينما
يقام في البيت الأبيض حفل إفطار رمضاني يحضره الرئيس الأمريكي، وأركان حكومته.
لم يقل أحد هناك أنَّ هذا قد يعزز الانقسام فيها،
أو يهدِّد وحدتها، بل على العكس من ذلك تمامًا حيث أدى إلى زيادة التفاف المسلمين
حول الولايات المتحدة كوطن واعتزازهم بأمريكيتهم رغم كونهم مسلمين؛ لأنَّ ما يحصل
عليه بعضهم لم يكونوا يحلمون بالحصول على جزء منه في بلادهم، ولذلك فقد استطاعت
هذه البلاد أن تستقطب نخبة النخبة من العقول الإسلامية، والعالمية، والتي لم تجد
في بلادها الأصلية ما وجدته فيها.
إنَّ الخلطة السرية في التعايش بين مكونات أي شعب
ليست شعارًا يرفع وانتهى الأمر، بل هو في تحويل هذا الشعار إلى شعور داخل أفراد
الشعب يتشكل عبر خطط قصيرة الأمد وطويلة الأمد من أجل تجسيد الشعارات وتحويلها إلى
واقع عملي عبر قوانين وضوابط حازمة وعبر مناهج دراسية ناضجة وعمل إعلامي ممنهج
ومستديم لا يكاد يتوقَّف وذلك بمختلف الأشكال والمظاهر.
أمَّا التصنيفات الفئوية لشرائح المجتمع ومحاولة
وصم كل منها بصفات سلبية، فلا تنتج إلا مزيدًا من تشبُّث كل شريحة بواقعها حتى مع كون
ذلك الواقع منحرفًا، أو خاطئًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق