الجمعة، 25 مارس 2022

بدايات حوار الحضارات

يوسف أحمد الحسن 

عندما طرح المفكر الأمريكي (صامويل هنتنغتون) نظرية صدام الحضارات في العام 1993م، كان يستند فيها على أنَّ الصدام الطويل بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، في الحرب الباردة، والذي كان قائمًا على أساس أيديولوجي قد انتهى إلى غير رجعة ليفسح الطريق لنوع آخر من الصدام ألا وهو صدام الحضارات، وكان (هنتنغتون) يرد في نظريته هذه على تلميذه (فرانسيس فوكوياما) الذي طرح قبله نظرية نهاية التاريخ والتي تقوم على أساس ما يسمَّى (الديمقراطية الليبرالية)، حيث يرى أنَّ البشرية وصلت إلى قناعة راسخة بأنَّ هذه الديمقراطية بما تمثله من حرية وفردية ومساواة ونهاية للحكم التسلطي هو غاية مراد البشر وهو ما وصلوا إليه بعد موجات فكرية متنوعة ومتعددة وتجارب مريرة وحروب مدمرة لقرون طويلة.

هنا جاء (هنتنغتون)؛ ليرد على هذه النظرية معلنًا أنَّ هناك في الأفق معالم لصراع جديد، ليس على أساس ديني أو أيديولوجي، بل على أساس حضاري، ولهذا فإنَّ (هنتنغتون) يرى أنَّ هناك استمرارًا للصراع لكن بشكل آخر، وأنَّ القادم هو الصراع بين أهم الحضارات في العالم وهي: الحضارة الغربية، الحضارة الصينية، الحضارة الهندية، الحضارة الإسلامية، الحضارة اللاتينية، الحضارة اليابانية، الحضارة الأرثوذكسية، الحضارة البوذية، والحضارة الأفريقية، وقد ركز الكاتب الأميركي على الحضارة الإسلامية ومدى تصادمها مع الحضارة الغربية وما تحمله من بذور للمواجهة مع الغرب كما قال.

وأثارت هذه النظرية زوبعة كبيرة في العالم ما بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون لها في الغرب وجدوا فيها ضالَّتهم خاصة من اليمين الأميركي، كما وقف مع النظرية الكثير من الإسلاميين الذين أعطتهم دفعة؛ لكي يعزِّزوا نظرتهم تجاه إلغاء الحدود بين الدول الإسلامية في أنحاء العالم، والعمل معًا لمواجهة الحضارة الغربية، بينما شمَّر معارضوها عن ساعد الجد؛ لكي يثبتوا عوارها، فكتبت الآلاف من المقالات، والدراسات، والكتب في الرد عليها.

وفي مقابل هذا التنظير للصدام، أو على الأقل توصيف ما هو قادم من صدام، جاء طرح حوار الحضارات من قبل الطرف الإسلامي هذه المرة، وكان من أوائل من طرح الفكرة في العصر الحديث بشكل كبير وبارز المفكر الفرنسي الذي أسلم (روجيه جارودي).

وكما حصل هجوم من قبل البعض لدينا على حوار الأديان، وتم التشكيك فيه تحت مختلف العناوين، فقد تم التشكيك في حوار الحضارات كذلك باعتباره مجرَّد تحوير لحوار الأديان، وتغيير لمسمَّاه ليس إلا، ويقول المناهضون لحوار الحضارات: إنَّ الغرب وبعد أن يئس من استمالة المسلمين بحوار الأديان طرح حوار الحضارات وذلك طمعًا منه في أخذ شرعية منهم لدينه من جهة وفي تغيير بعض ثوابتهم الدينية من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق