الأحد، 27 مارس 2022

من فوائد الفيروس اللعين

يوسف أحمد الحسن 

أخذ كورونا منا الكثير لكنه استطاع أن يعطينا أمورا لم نكن نحلم بها وكنا نتمناها ونتغنى بها وكأنها من سابع المستحيلات. فقد أجبرنا هذا الفيروس اللعين على العودة إلى البساطة والاهتمام ببديهيات الحياة.. فبينما كانت القيمة السائدة في العالم الحصول على أكثر الأمور تعقيدا وتكلفة كالسفر والخروج للتنزه وقيادة السيارات الفارهة والسفر على الدرجة الأولى وارتياد ديزني لاند وما شابهها، أصبح البقاء في المنزل هو الخيار الوحيد لدى أغلب الناس.  صحيح أن ذلك لم يحصل بمحض إرادتنا، إلا أنه عندما حصل استقبلناه برحابة صدر ذلك لأنه كان الأكثر أمانا وحميمية بالنسبة لنا. وأصبح شعار (خليك بالبيت) الأكثر انتشارا متصدرا قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولا في العالم وبجميع اللغات. وأدى ذلك ( بين أمور أخرى ) إلى إجبارنا على البقاء إلى جانب أقرب الناس إلينا وهم أقاربنا من الدرجة الأولى ( بل من الدرجة الممتازة إن صح التعبير ) ، كما أدى بدوره إلى حصول نوع من التعارف القسري بيننا وبينهم . وهناك تعارف آخر حصل بيننا وبين مقتنياتنا المنزلية. فبالنسبة لي شخصيا اكتشفت أن لدي كنزا من العملات القديمة (ورقية ومعدنية) كنت أجمعها أيام المراهقة وبقيت حبيسة الأدراج والدواليب لعدة عقود رغم تغير الظروف وتعدد المساكن ورغم حالة السفر والحضر التي مررت بها. كما اكتشفت كنزا آخر من طوابع البريد القديمة منذ سبعينات القرن الماضي، وكنز ثالث من المجلات القديمة التي كنت أقرأها في ذلك الوقت كمجلة العربي الكويتية ومجلة النهضة الكويتية (والتي كنت أراسلها) والكواكب والمصور وروز اليوسف والمستقبل. وأنا متأكد من أن للجميع كنوز من هذا النوع لم يكن يجد الوقت الكافي للتنقيب عنها.

علمنا هذا الفيروس أن بالإمكان الاستغناء كثير من الأمور كالسفر خارج البلاد وحتى التنقل بين المدن، كما علمنا أنه يمكن الاستغناء عن المطاعم والحدائق العامة والالتقاء بالأصدقاء بشكل يومي في الاستراحات وأن ننظم حياتنا وأولويات علاقاتنا الاجتماعية والتبضع كل يوم. كما علم بعضنا أن ينفض الغبار عن بعض الكتب التي اشتراها منذ مدة وأن يقرأها الآن.

شكرا كورونا لأنك أتحت لنا فرصة لذلك، وشكرا لأنك كذلك أتحت لنا فرصة لكي ندرك قيمة البيت وجماله. شكرا لأنك جعلت الكثيرين يستشعرون حلاوة الطعام المنزلي حيث أعرف بيوتا كثيرة لم يتذوقوا طعم عشاء البيت لسنوات طويلة. شكرا كورونا لأنك أعطيتنا فرصة لكي نفكر في أمور لم يكن لدينا الوقت لكي نفكر فيها، جعلتنا نجرب أمورا لم نكن نحلم بتجربتها.

 

موقع آراء سعودية – 2 ابريل 2020م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق