الجمعة، 25 مارس 2022

حوار الأديان (7)

يوسف أحمد الحسن 

تعاني البيئة اليوم من مشكلات مستفحلة فتكت ببعض مناطق العالم، أو هي في طريقها لذلك وسط فشل ذريع لسياسيي الدول المؤثرة فيها، فالبحار والأنهار والصحاري والجبال والسهول والهضاب كلها تئنُّ تحت وطأة التوسع المتوحش للتصنيع، واستغلال موارد الطبيعة والذي لا يراعي أي مقاييس سوى الربحية مهما كان أثر ذلك على البيئة؛ لذلك فهي تبقى جرحًا مفتوحًا، خاصة أن تأثيراتها لا تقف عند حدود البلد الذي يفرط فيها، فعندما يبالغ بلد كبير في استهلاكه للطاقة، أو يقوم بتشييد مصانع لا تراعي المعايير السليمة، أو عندما يتعامل بشكل سيِّئ مع معطيات الطبيعة، فإنَّ ثقب الأوزون لن يؤثر على أتباع ذلك الدين وحدهم دون غيرهم، أو حتى بلد دون آخر، فالعولمة وسرعة انتقال الناس والبضائع والمنتجات في العالم جعل العالم قرية صغيرة، ليس فقط في جانب الاتصالات فحسب، بل حتى في تداول المأكل والمشرب بين مختلف الشعوب والأعراق في وقت قصير.

وهذه الحقيقة تجعل أي مشكلة بيئية في أي مكان تأخذ طابعًا كونيًّا مع مرور الوقت، وهنا يمكن لحوار الأديان أن يوظف نفوذه في محاولة حلها، أو التقليل من آثارها السلبية عبر توعية الأتباع من جهة، أو حتى عبر الضغط على السياسيين من أجل حماية الطبيعة، ومعطياتها الإيجابية.

ومن حيث النصوص الدينية تتَّفق أغلب الأديان على الدفاع عن حقوق الإنسان ونبذ التفرقة العنصرية، ومحاربة الفقر، وإغاثة ضحايا الكوارث، والدفاع عن الفضائل والأخلاق، والتصدي للأفكار المناهضة للأديان كالإلحاد مثلًا، إضافة إلى مشكلات أخرى لا أخلاقية كالبغاء، والاتِّجار بالبشر، أو ما يسمى بالرقيق الأبيض.

ويعد السلام أحد أهم العناصر التي يمكن للأديان أن تسهم في نشره وسيادته في العالم، خاصة أنَّ هناك نصوصًا واضحة في الديانات السماوية الثلاث على حفظ النفس والعقل والمال والدين رغم وجود اختلافات في تطبيقات السلام من دين لآخر، ويمكن لأتباع الأديان أن يشتركوا في وضع تصور مشترك لعالم يسوده السلام؛ ذلك أن الحروب تصبح أكثر شراسة ودموية حين يكون محركها، أو دافعها الدين والذي غالبًا ما يكون وقودًا لها يستغله السياسيون من أجل التحشيد الجماهيري وضمان الولاء لهم.

وقد جعل التداخل الكبير بين أتباع الديانات العالم بمثابة القرية الصغيرة لا من حيث التواصل بين آحادهم فحسب، بل حتى كمؤثِّر ومتأثِّر، وترك أي مشكلة من المشكلات التي ذكرناها دون تظافر الجهود لحلها سوف يجعلها تستفحل وتنتشر، أو أن آثارها قد تظهر على شكل نتوءات سياسية أو ثقافية أو انتفاضات، أو حتى عمليات إرهابية في مكان أو آخر، حينها يكون الحلُّ صعبًا جدًّا إن لم يكن مستحيلًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق