الجمعة، 25 مارس 2022

حوار الأديان (2)

يوسف أحمد الحسن 

لا شك بأنَّ دخول الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في حوار مع وفد نصارى نجران في العام الثامن الهجري (630م)، يعد نموذجًا مبكرًا وراقيًّا يُشرعِن لحوار المسلمين مع أصحاب الديانات الأخرى، فالوفد الذي وصل عدد أعضائه إلى الستين جاء إلى المدينة واجتمع بالرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- في مسجده لابسًا الشارات النصرانية ومحاورًا حول نقاط خلاف عديدة منها ولادة النبي عيسى عليه السلام- ونسبته إلى الله -عزَّ وجلَّ- هل هي نسبة الابن لأبيه أم نسبة النبي الإنسان بالله؟ بعدها وقع الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- معهم اتِّفاقًا يضمن سلامتهم مع بقائهم على ديانتهم،  وهنا لم يقم الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- بإجبار نصارى نجران على اعتناق الإسلام، بل واصل رسالته تاركًا إياهم على ديانتهم.

لكنَّ المشكلة اليوم أنَّ بعض أصحاب الديانات ترك مشكلة الإنسان نفسه وتوجه كل طرف لمهاجمة الطرف الآخر لإثبات خطئه، وإثبات أحقية دينه هو؛ ممَّا أدَّى إلى تضخُّم مسائل الأديان ومشكلاتها، فيما بينها ونسيان الإنسان نفسه، والذي نزلت الرسالات جميعًا من أجل إسعاده في الدنيا والآخرة.

وتكمن مشكلة حوار الأديان أنَّ معتنقي كلِّ دين يعتقدون بأحقية دينهم، وأنَّه الأصلح للبشرية، وهو أمر يتكرَّس لدى كل طرف منذ الولادة ويندر أن يترك شخص ما دينه إلا في حالات التحول الكبرى والانعطافات التاريخية الفارقة، حتى أنه يقال: إنَّ الإنسان علمي في كلِّ شيء إلا في قضايا الدين، التي يتوقف عقل الكثيرين عندها، ولا يقبل النقاش حولها بسبب وجود خطوط حمر عند كل دين، فكما أنَّ لدينا كمسلمين خطوطًا حمرًا لا نقبل بتجاوزها، فإنَّ لدى الآخرين الأمر نفسه، وبطبيعة الحال، فإننا كمسلمين نعتقد بأحقية ديننا ومعتقداتنا، ولدينا القناعة التامة بها، لكن كيف تستطيع أن تقنع الآخرين بهذه الفكرة؟

ويدلُّنا الباري -عزَّ وجلَّ- على أسلوب إقناع الآخرين بالأفكار عبر التي هي أحسن: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ العنكبوت، آية: 46.

تدلُّنا الآية إلى أننا بعد أن نستخدم الأسلوب الحسن في الإقناع ونفشل، لا نتوقَّف عند نقاط الاختلاف مع أهل الكتاب، بل نتوجَّه نحو المشتركات بيننا، وبينهم: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ العنكبوت، آية: 46.

وترجع أسباب ذلك أنَّ التوقف عند الاختلاف لا يوصل إلى أي نتيجة، بل يزيد من تمسك كل طرف بمعتقده؛ إمَّا عنادًا أو ظنًّا منه بأن الآخرين يريدون سلبه أفضل ما لديه، وقد يؤدِّي التركيز على نقاط الاختلاف إلى ما هو أخطر وهو انتقال المشكلة من معتنقي الدين، ومن مفكري كل ديانة ومثقفيها إلى سياسييها، وهو ما يقود إلى تصادم بين سياسات الدول وبالتالي إلى الحروب التي طالما اكتوى بها الجنس البشري تحت مسمى الدين والدفاع عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق