يوسف أحمد الحسن
تعني شخصنة الحوار تحوُّله من طرح الأفكار ومناقشتها
إلى طرح الأشخاص ومناقشتهم والاحتجاج عليهم، حيث يعمد المحاور إلى حرف مسار الحوار
من صلب الموضوع إلى التهجُّم على شخص الطرف الآخر، وقد يستخدم المحاور بعض عبارات
التجريح والسب والشتم، أو كيل الاتهامات الشخصية على الآخر وربما اتهامه بالعمالة
والكفر والزندقة، وهي اتهامات وإن كانت صحيحة إلا أنها تحرف الحوار عن مساره ولا
تساعد على الحل.
ويعود السبب الأساس في ذلك إلى ضعف حجة من يقوم
بذلك، فيحاول أن يستعيض عن ذلك بالبحث عن نقاط ضعف الخصم كالحديث عن أصله وفصله
وجنسه وعرقه ولونه ودينه ومذهبه، بعيدًا عن موضوع الحوار؛ وذلك طمعًا في إضعاف
الروح المعنوية للآخر والحد من اندفاعته وبالتالي كسب ولو جولة من جولات الحوار.
لذلك يمكن ملاحظة وجود تناسب طردي غالبًا، بين ضعف
الحجة وشخصنة الحوار، فيتم اللجوء إليها؛ لأنَّها الأسلوب الأسرع لإسكات الخصوم،
وإفحامهم بأقل مجهود.
وغالبًا ما يلجأ المحاور إلى هذا الأسلوب في حال
كانت جولات الحوار في العلن، وأمام الناس، أو على شاشات الفضائيات؛ وذلك من أجل
التشهير، وإسقاط الفكرة المقابلة عبر إسقاط من يتبناها، ومن ثَمَّ كسب شعبية
جماهيرية على حساب النتائج المتوخاة من الحوار.
ولا مناص من القول هنا: إنَّ مرد ذلك يعود إلى رغبة
جامحة في الانتصار؛ كون الهزيمة، أو حتى مجرد التفكير فيها تعني تنكُّرًا لماضي المحاور
واستحقاقًا، عليه القيام به في حال قبل بفكرة محاوره النقيضة بالضرورة لفكرته، ما
يعني انتقالًا من محور إلى آخر، أو من اتِّجاه فكري أو سياسي، أو حتى توجُّه رياضي
إلى آخر، مع ما قد يعنيه ذلك من فقد لمكاسب اجتماعية، أو مالية وتبدل في الصداقات والزمالات، وهو ما لا يحتمله، أو
لا يريده المحاور، وهو بالنسبة له ليس أكثر من عصفور على الشجرة، كما أن المحاور
الذي يقوم بتبني آراء خصومه بعد اقتناعه بها يرى بأن جمهوره قد يفقد الثقة به
مستقبلًا، فالذي دفعه إلى التغيير اليوم قد يدفعه إلى نقيضه في الغد، وهو قد يعني
اعترافًا بخطأ سابق وتسليمًا بصوابية أفكار الآخر وقدرته على الإقناع وهو ما لا
يريد أن يسلم به، وفي هذه النقطة بالتحديد نجد أنَّ الأهواء الشخصية تلعب دورًا
كبيرًا في مسار الحوار، وعليه فإنَّ التنازل البسيط، وتخفيف نزعة الاعتداد بالرأي
يجب أن تكون من بدهيَّات الحوار، وأن يكون لدى الطرفين الاستعداد المبدئي لتغيير
قناعاتهما في حال تطلب الأمر ذلك، وهو ما يدعونا إليه ديننا الحنيف وقيمنا
الحضارية؛ وذلك من أجل حوار ناجح وفعَّال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق